الخرطوم: جمعة عبد الله 6مارس 2022م
تزايدت المصاعب المعيشية على المواطنين، بعد تضاعف فواتير العلاج منذ مطلع العام الجاري، حيث ارتفعت أسعار الأدوية لمستويات فلكية، تزامناً مع تقليل الحكومة لدعم الرعاية الصحية الأساسية بالمراكز الحكومية التي كانت معاملاتها برسوم رمزية، ففرضت عليها تعرفة جديدة ابتداءً من مقابلة الطبيب، مروراً بالفحوصات المعملية وأخيراً أسعار الأدوية.
وفي الاثناء، توقع الاطباء وصيادلة، زيادات جديدة على أسعار الأصناف الضرورية، في وقت ارتفعت فيه اسعار ادوية مرضى السكرى بداية هذا العام ووصلت لأرقام جنونية كسعر عقار الانسولين إلى 15 ألف جنيه وسعر “نيروبين” لمرضى السكرى بلغ 1500 جنيه، وحقن الانسولين 700 جنيه للعبوة الواحدة.
أزمة متجددة
وكان رئيس شُعبة الصيدليات د. صيدلي، نصري مرقص قال في تصريحات سابقة، إن أزمة الدواء بدأت إبان فترة النظام السابق وورثتها الحكومة الانتقالية التي تكشف لها الواقع الصعب الذي يعيشه المواطن من خلال ندرة الدواء، واضاف هذه الندرة ترتّبت عليها أشياء خطيرة كالدواء المُهرّب الذي لا يقع تحت ضوابط استيراد الدواء، إذ يمكن أن يحضر من دول مجاورة في ناقلات شحن بضائع، وبالتالي يكون فَقدَ فاعليته بالإضافة الى ان جزءاً من مكونه يمكن أن يتحول الى سميات، وأيضاً الدواء المُهرّب يحكمه السوق، وبالتالي يُباع بأسعار فلكية خارج مقدرة المواطن، وقال إن الندرة والشح في الدواء طال الأدوية المُنقذة للحياة بصورة ملفتة مما قاد لتهريب الدواء وجعل الامر في منتهى السوء.
وقال الخبير الاقتصادي د. الفاتح عثمان، إن زيادات الاسعار لن تتوقف في كل السلع، وبرّر ذلك لأن نسبة التضخم لشهر يناير بلغت 259%، وأضاف ليس غريباً أن تحدث زيادة في أسعار الأدوية، خَاصّةً وأنّ سعر الصرف للجنيه السوداني في خلال أربعة اشهر الماضية فَقدَ نحو 10 إلى 20%، وزاد كما أن أجور العاملين شهدت زيادات كبيرة وكذلك الوقود والكهرباء، وأكد أن من واجب الحكومة دعم التأمين الصحي والحوادث، إضافةً إلى العمل على تحسين أداء التأمين الصحي ليشمل معظم الأدوية وأغلب الأمراض.
زيادات كبيرة
أحد الصيادلة قال مُفضِّلاً حجب اسمه، إن الدواء اصبح يُباع بالسوق السوداء لانعدام الرقابة، والمواطن مُجبرٌ على شرائه، مشيراً إلى ارتفاع سعر دواء المضاد الحيوي إلى 1500 جنيه للشريط، وسعر عقار فيتا فيرول 1500 ألف جنيه، كما ارتفاع سعر شريط عقار الغدة الدرقية الى (400) جنيه، وأوضح أن ندرة بعض أصناف الدواء المتمثلة في عقار الأعصاب، خلقت سوقا سوداء بامتياز، وقال إن أي خلل في صنف مُعيّن من الدواء يخلق سوقا سوداء، ونُدرة بالصيدليات يدفع ثمنها المواطن.
بدوره، يرى د. الهادي عبد الرحمن عضو تجمع الصيادلة، ان ارتفاع اسعار أدوية السكرى والأمراض المزمنة متجدد، كما ان سعر عقار الأنسولين ارتفع بصورة ملفتة للنظر من 4 آلاف جنيه الى 15 ألف جنيه، وعزا ذلك لارتفاع أسعار الصرف ورفع الدولة يدها عن الدواء وامتناعها عن توفير العملة للشركات بغرض الاستيراد.
غلاء الدولار
الصيدلي محمد عبد القادر قال، إن مشكلة ندرة وغلاء الدواء تكمن في عدم توافر الدولار والسبب في ذلك عدم مقدرة الدولة على توفيره، لذا يقوم المستوردون بشراء الدولار من السوق السوداء وعلى ضوء ذلك يتم استيراد الدواء، بالإضافة لذلك، هنالك بعض ضعاف النفوس يُتاجرون بأرواح الناس ويجلبون دواءً بطرق غير رسمية يتعرّض فيها لدرجات حرارة عالية وليست عليه رقابة، لتبدأ معاناة المواطن ما بين الندرة والغلاء.
ويقول من بين الأدوية التي تفقد فاعليتها بسبب سوء طريقة وصولها للمريض (بخاخ الأزمة)، وكذلك أدوية القلب وهي أدوية منقذة للحياة، وأضاف أما طريقة ترحيل الدواء للولايات فهي مشكلة أخرى، إذ يتم شحنه بطريقة تُعرِّضه أيضاً للحرارة وغياب تام من الجهات المعنية متمثلة في إدارة الأدوية والسموم والقطاع المعني بالصيدلة في مجلس التخصُّصات الطبية هم المعنيون بوصول الدواء الى أن يوزع على الصيدليات، ويرى أن زيادة الاسعار غير حقيقية وغير ثابتة وتختلف من صيدلية لأخري، كما توجد مشاكل تخزين غير جيد، إذ معروفٌ أن أي دواء عندما يحين تاريخ انتهاء صلاحيته يكون فقد 10% من فاعليته، وعليه يجب على الصيدلي عدم إعطائه للمريض وعندما يتعرض الدواء لمشاكل الحفظ فإنه يكون فَقدَ أكثر من 50% من فاعليته وهنا يأتي دور المسؤولية المهنية حتى لا تتحوّل الصيدلة لسوق للبيع والربح فقط، وارجع نُدرة الدواء لبعض المصانع المحلية التي توقّفت عن التصنيع ما فاقم من مشكلة الأسعار، ويؤكد أنّ هنالك أدوية غير موجودة في السودان مثل علاج المعدة وعلاج الأزمة وايضاً بعض العلاجات المُنقذة للحياة أحياناً تتوفر بدائل لها ولكنها ليست بنفس الفاعلية، كما ان هنالك بعض الدواء مُحتكرٌ فقط لدى الإمدادات الطبية “جهة حكومية” ولا يتوفر في كافة الصيدليات باستثناء صيدليات الطوارئ الحكومية، وذهب الى ان فترة جائحة كورونا كان لها تأثير على استيراد الدواء وكانت عاملاً مساعداً في ندرة الدواء، ولكن هذا لا ينفي ان ندرة الدواء قد بدأت قبل الجائحة ومن ثم تبعتها مسألة إغلاق الشرق وانعدام الدولار في بنك السودان المركزي، لأنه وحسب النظام المُتّبع يجب أن يكون هنالك دواء متوفر يكفي لـ6 اشهر وفق إحصائيات لعدد المرضى ونوع المرض هذا بالنسبة للأمراض المستمرة.
عقبات الدولار
واشار مسؤول بإحدى شركات الادوية فضّل حجب اسمه الى ان شركات الادوية تنقسم الى نوعين، الأولى تستورد الأدوية من الخارج، والأخرى تصنع محلياً، ولكن مادة التصنيع الخام تستورد من الخارج، والنوعان من الشركات يعتمدان على الدولار الذي لا توفره الدولة، في عهد النظام البائد كانت هنالك 33 شركة وهمية عاثت فسادًا في مجال استيراد الدواء، لكن الآن كل شركات التصنيع مسجلة ومعروفة مثل (اميفارما، ازال، شنغهاي وغيرها) لكن هذه الشركات تواجه مشكلة الدولار، لذا باجتهاد من اصحاب الشركات يقومون بشراء الدولار من السوق الموازي لتأتي المعضلة بأنه يُسعّر لهم بالسعر الرسمي للدواء.
غلاء وندرة
ويتّفق عدد من الصيادلة وجود ارتفاع أسعار الأدوية، وقالوا ان هنالك أدوية كثيرة غير متوفرة أبرزها أدوية السيولة وقطرات العيون والتشنجات وأدوية المشاكل النفسية، قائلين إن سعر صندوق حبوب السيولة بلغ (9) آلاف جنيه، وحبوب الضغط 5 آلاف جنيه للصندوق، مع استمرار انقطاع عقار الأعصاب، والأزمة، والمتوفر منه سعر الشريط بلغ 1500 جنيه وقفز سعر بخاخ الربو إلى (6) آلاف جنيه، وعقار البروستات ارتفع الى 3500 جنيه من 2500 جنيه.