منى أبوزيد تكتب: يقتلونَك بحُسن نيَّـة..!
هناك فرق
منى أبوزيد
يقتلونَك بحُسن نيَّـة..!
“لو عالج الطبيب جميع المرضى بنفس الدواء لمات معظمهم”.. أبو حامد الغزالي..!
الحديث عن الأمراض هو “الونسة” المُفضّلة لدى كثير من الناس.. والمُتونِّسون عن المرض والعلاج في بلادنا نوعان: الأول هو الذي يستمتع بالشكوى من المرض على إطلاقه، فما أن تجاوره في أحد المحافل أو تُبادره بالتحية في مكان عام، سائلاً إياه عن الصحة من باب المجاملة، حتى يتفانى في سرد أدق تفاصيل تاريخه المرضي مستعيناً ببعض المصطلحات الطبيَّة التي اكتسبها بفضل قلقه الَمرَضِي وتردُّده الدائم على عيادات الأطباء..!
وهو بطبيعة الحال لن يلتفت إلى تذمرك واستيائك من سيل الشكوى المنهمر على رأسك، فهو مُنهمكٌ ومُستمتعٌ بالحديث عن أمراضه المُزمنة.. لذا دعه يسترسل ولا تكترث بمحاولة البحث عن إجابات مناسبة، وتذكّر بأنه غالباً سيمشي في جنازتك ويترحَّم عليك – أنت الذي لا تشكو من أي شيء تقريباً- بينما يعيش هو عمراً مديداً حافلاً بالشكوى..!
أما النوع الثاني من أولئك “المتونسين”، فيسعدهم دوماً أن يتبرعوا لك بشتى أنواع الوصفات الطبية، ويلحُّون عليك في تجربتها ناصحين ومبشرين بمفعولها السريع ونتائجها المُدهشة. هؤلاء يخبرونك على الدوام بأنه لا حاجة بك للذهاب إلى الأطباء، وإذا لمح أحدهم في عينيك بعض التخاذل يلوح بسباته في وجهك منذراً ومحذراً..!
وقد تكون جالساً في عيادة الطبيب تنتظر دورك، ويكون أحد هؤلاء الناصحين جالساً بجوارك، ولأنّ “ونسات” المرضى في العيادات تدور غالباً حول المرض موضوع الزيارة ستخبره عن سبب تردُّدك على هذا الطبيب الذي يتردّد هو عليه أيضاً، لكنه عندها – ويا للعجب – لن يتورّع عن إعطائك وصفة طبية مجربة بعد أن يخبرك بأنهم سوف يطلبون منك الفحوصات الفلانية ويكتبون لك الدواء العلاني.. ثم ينصحك بعدم الاستماع إلى ترهات الأطباء..!
كل هذا وأنتما تجلسان على باب ذات الطبيب الذي ينصحك بعدم الاستماع إليه.. وحينها لن تجرؤ بالطبع على أن تسأله – السؤال الذي يدور في ذهنك الآن – “لماذا تجشَّم عناء المجيء إلى هذا الطبيب إذن”..؟!
الملاحظ – أيضاً – أن معظم المنتمين إلى النوع الثاني يأتون من أسر طبيَّة، بمعنى أن يكون أكثر أقربائهم أطباء فيجمَعون– بحكم – ذلك كماً هائلاً من المعلومات ويحفظون الكثير من المصطلحات الطبية عن ظهر قلب، وهذا النوع من “الونسة” المليئة بالوصفات الطبية الخطيرة لا علاقة له بدرجة التعليم أو الوعي أو المكانة الاجتماعية بل هي هواية – خطيرة – لا تستثني من شرورها أحداً.. لا تنسى أن الرئيس الأمريكي الأسبق “أيزنهاور” مات بسبب وصفة طبية خاطئة تبرَّع بها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “تشرشل” الذي كان يعالج نفسه بنفسه ويتبرع بوصفات علاجية لكل من حوله..!
على كُلٍّ: أفضل طريقة للتعامل مع هذا النوع من الناصحين هي أن تتظاهر بالاقتناع بنظرياتهم والحماس لوصفاتهم مع كل الشكر والامتنان، ثم تقوم – بعد ذلك – بمسح تلك الوصفات القاتلة من ذاكرتك أولاً فأوَّل..!
خلاصة القول: لا تعول أبداً على حُسن نية من يتبرّع لك بنصيحة طبية في هذا السودان، فالطريق إلى بعض القبور مفروش بحفنة – لا بأس بها – من النوايا الحسنة..!