4مارس2022م
ayagoub@gmail.com
(١)
العدمية (Nihilism) هي تعبير عن التشاؤم الفلسفي، وهي باختصار فكر رافض للفكر الاجتماعي والاخلاقي والسياسي والجمالي والفني. واعتقد أن هذا الشكل من أشكال الرفض المفضي الى الاستحالة يحمل كل معاني الاكتئاب ويخرج الى حيز الوجود في اشكال لا تفضي الى حلول إيجابية وغالباً ما تكون هي الكائن وضده في حلقة مفرغة لا تغرس الأمل ولا تحصد الحلول والنجاح وتكون معلقة بين السماء والارض.
إن فن السياسة كله يقوم على الحوار والتفاوض وتقديم التنازلات لتحقيق الاتفاق حول الخلافات والنزاعات بين الكيانات الاجتماعية والأحزاب وحتى بين الدول لتحقيق السلام والنهضة، والسياسة هي فن الممكن لإسعاد البشر، لذلك نشأ علم جديد من علوم السياسة والعلاقات الدولية يسمى بفض النزاعات وحلول السلم الاجتماعي “conflict resolution”. وقد بدأ كجزء صغير في العلوم الاجتماعية لدراسة كيفية معالجة المشاكل الأسرية في بوابة علم النفس وتطور بهدوء ليعالج كثيراً من المشاكل المجتمعية والأزمات التي تقوم على أساس الصراع الثقافي والاجتماعي وبالتأكيد السياسي ليضع علم فض النزاعات أسساً للحوار والتفاوض والمُشاركة ومبادئ لكيفية بناء معابر وجسور الثقة بين أقطاب الخلاف حتى يستطيعوا ان يبتدعوا وسائل حضارية ومدنية تضع معالم لمستقبل أفضل لهم جميعاً.
(٢)
أنا كالكثيرين من أبناء السودان يراقبون أبناء السودان وهم يُعبِرون عن رفضهم للحكم العسكري ويطالبون برؤية اقتصادية تصلح حالهم ومستقبلهم ومستقبل البلاد وهذه كلها مطالب مشروعة، ولكن لعمري ما رأيت ثورة وشبابا متطلعا يقول لا لكل المكونات لا لحمدوك ولا للعسكر ولا الحركات ولا للأحزاب، الأمة والاتحادي والبعث وغيرها ولا للإدارة الأهلية ويقول لا لسياسات البنك الدولي ويقول لا لسياسات التحرير ثم يعقب ذلك بلاءات ثلاثة لا للتفاوض ولا للحوار ولا للمشاركة … ولم اسمع في كل ذلك مشروعاً للحل السياسي المتكامل او الاقتصادي او الخطط الثلاثية او الخماسية او برامج الإسعاف العاجل او مشروع متكامل من اجل وضع حلول للأزمة السودانية ولكننا جميعاً سمعنا اللاءات لا ثم لا ثم لا… فماذا تبقى إذن بعد كل هذه اللاءات غير الوصاية والتدخل الدولي “فولكر” او الحرب التي لا منتصر فيها والخاسر فيها السودان شعباً ورسماً.. فهل عجزنا نحن أهل السودان بكل تراث الصفح والصوفية والجودية وبكل أبناء السودان العلماء والحكماء ان نخرس صوت الباطل وندفع بصوت العقل والعلم ونتدافع بالقيم النبيلة لنتفق على حد أدنى، وأن نكبح ونلجم جماح الكراهية التي أصبح صوتها أعلى وأقوى وأكبر وأحقر بلجام من نار.
لقد سئمنا أصوات الضجيج التي لا تحمل إلا الفوضى والتخريب والدمار والموت لشباب حي وجيل جديد كان يمكن ان يكون في الحقول والمصانع ومواقع العطاء جيلاً يضع الرؤى لسودان يعلي ويحسن التعايش السلمي ويحترم التنوع ويتجه نحو الإنتاج.
(٣)
يأتي السؤال المهم قصة الفلسفة العدمية التي قد لا تهم كثيرين وأكثر ما يعنيهم المعاناة اليومية للمواطن في المأكل والمشرب والصحة والتعليم، وهذا صحيح بالتأكيد ولكن نحتاج أن نفهم بعض ما نسمع لنستطيع أن نحدد أين نقف، فالفلسفة العدمية في باب السياسة هي ان تعلي سقف المطالب بحيث تصعُب وتستحيل الحلول، وبالتالي تُعجز خصمك أو خصومك وتضعهم في خانة الفشل والعجز. لقد حقّقت انتصاراً نعم، لكنه انتصار مزيف لا يعني ان خصمك او خصومك لا يمتلكون مقدرات للمقاومة والعودة من جديد وأيضاً لا يعني بأنك الأفضل والاصلح ، لكن هذا الانتصار قد يرضي غرورك الذاتي بأنك حققت إنجازاً حتى وإن كان مؤقتا.
ولكن يبقى السؤال ماذا يريد الشعب السوداني؟.. أنا أتخيل.. نحن الشعب السوداني نريد انتصارا لقيمنا وموروثاتنا وثقافتنا، ونريد انتصارا يقبل ويدافع عن تنوعنا ونريد انتصاراً يجعل عاصمتنا هي الأجمل والأنظف والأبهى ونريد انتصارا يجعل التعليم إجباراً وحقاً لكل طفل ونريد انتصاراً يُعلي قيم العمل والإنتاج ونريد انتصاراً يجعل جميع مرضانا لا يغادرون حدود الوطن من أجل الاستشفاء أو من أجل جرعة دواء. ونريد انتصاراً يوقف صوت البندقية ويحقق الأمن والسلام، ونريد انتصاراً يحترم ويكرم الإنسان ويحقق العدل.
#لا للشعارات العدمية صفرية النتائج#
#نعم للحوار والتفاوض والتنازل من أجل السودان#