الشاعر مختار دفع الله.. البديل الأمثل للسر قدور
يعتبر من جيل الوسط في الأغنية السودانية
كتب: سراج الدين مصطفى
(1)
في مقدمة كتابي (شعراء الأغنية السودانية.. توثيق ما أهمله التاريخ) توقفت عند بعض الأسماء التي أدين لها بفضل كبير وقلت (في زمان ما ليس ببعيد.. كنت كثير الجلوس مع الأستاذ والشاعر الصحفي الراحل سعد الدين ابراهيم، كان الرجل بمثابة أبي.. كنت أحبه ويحبني.. كان رغم إبداعه الكبير إنساناً بسيطاً وعفوياً وحميماً ولطيف المعشر وصاحب نكتة حاضرة، وسعد الدين إبراهيم مبدع متفرع الإبداع.. فهو قاص وشاعر وصحفي وكاتب درامي.. وهو بغير ذلك يعد مرجعاً مهماً من مراجع الأغنية السودانية.. ملم بتفاصيل كثيرة وقصص وأسرار وحكاوي هي غير متاحة لجيلي من الصحافيين الشباب.. فهو زامل وعاشر وعايش معظم المبدعين في الوسط الفني تحديداً يعرفهم سيرهم وتواريخهم بأدق التفاصيل).
(2)
أفخر جداً بأن الراحل سعد الدين كان هو مصدري الأول في كل المعلومات الفنية التي أعرفها، وما كان ذلك ليتحقق لولا وجودي الكثيف معه واقترابي منه عن كثب، تلك المعايشة أتاحت لي التعرف على أسماء إبداعية لا أعرفها من قبل وبعد أن تقدّمت قليلاً في عالم الصحافة والصحافة الفنية تحديداً ومن خلال اهتماماتي الخاصة بالتوثيق توقفت عند بعض الأسماء التي كانت ترد في (ونساتنا) مع الراحل سعد الدين، وبدأت رحلة البحث للتوثيق لهم بطريقة ممنهجة حتى أرفع الظلم عنهم، ولكني في محاولاتي البحثية لم أجد أي كتاب يضم سيرتهم وإبداعهم.. كنت أذهب للدار السودانية لأبحث عن الكتب التوثيقية التي يمكنني أن أجد فيها ما أبحث عنه ولكن معظم الرفوف خاوية تماماً ولم أجد ولا كتاباً واحداً يشبع رغبتي في المعلومات.. وكنت في كثير من الأوقات استعين بالأستاذ الشاعر الكبير مختار دفع الله.. ولعله (مخيتير) كما يُطلق عليه أصحابه والمقربون منه.. فهو قبل أن يكون شاعراً فهو إنسان لطيف ودود وحلو المعشر ويتميز بخفة دم وروح مرحة وذهنية حاضرة.
(3)
أقول ذلك وفي ذهني بعض الأخبار والتسريبات التي تقول بأن الأستاذ مختار دفع الله سيكون هو (البديل الجاهز) للأستاذ السر قدور في حال لم تسعفه ظروفه الصحية في تسجيل برنامج (أغاني وأغاني).. ولكن الحقيقة الباذخة التي لا تقبل التزييف أن السر قدور لا شبيه له ولا توجد أدنى أشكال المقارنة بينه والآخرين.. ولكن أعتقد أن مختار دفع الله هو الأنسب لما يملكه من قدرات وخبرات ومعلومات ثرة وحضور مميز على الشاشة.. ويعتبر الشاعر مختار دفع الله من جيل الوسط في الأغنية السودانية أو ما يطلق عليه (جيل السبعينيات) في الأغنية السودانية وهي فترة زاهية من عمر الغناء السوداني، حيث ظهر جيل جديد بمفاهيم جديدة ومختلفة عن حال السائد في الشعر الغنائي، ويُعد مختار دفع الله واحداً من أبرز شعراء جيل السبعينيات من خلال العديد من الأغاني التي قدّمها ويأتي في مقدمتها أغنية (ساقية جحا) التي تغنى بها الفنان الكبير صلاح بن البادية وأغنية (حروف للفراشة) التي تغنى بها الفنان الكبير صلاح مصطفى، تلك الأغاني قدّمت مختار دفع الله كشاعر جديد صاحب لونية غنائية مختلفة ووضعته في وضعية مميزة بين أبناء جيله.
(4)
ولد الشاعر مختار دفع الله في منتصف خمسينات القرن الماضي، وعاش طفولته الباكرة بمدينة أم درمان والتي تفرّقت سنواتها الأولى ما بين خلوة شيخ أمين بأبي روف وخلوة الكتيابي بحي البوسته بأم درمان، عرفه الناس من خلال أغنياته فهو كما ذكرنا آنفاً يعتبر من جيل السبعينيات في الغناء السوداني، حيث شدا بكلماته عدد وافر من المطربين الكبار والشباب لعل أشهرهم صلاح بن البادية (ساقية جحا) وصلاح مصطفى (حروف لفراشة) المعروفة بمقطعها الأول:
يا شدر بلدي وبيوتا
يا ربيع ما هان عليه
يمر بساحاتنا ويفوتا
يا أماسينا الحبيبة
وأمنيات صبحت قريبة
(5)
كما غنى له خوجلي عثمان أغنية (يا مشرقة) ويوسف الموصلي وسيف الجامعة والأمين عبد الغفار(غيث هواك) وإسماعيل حسب الدائم وإمبراطور الطنبور الفنان صديق أحمد والمطربة المعتزلة حنان النيل وفنان الشاب الراحل محمود عبد العزيز بأغنية عمري، ونبوغ موهبة الشاعر مختار دفع الله كان تحت رعاية أبوية من شعراء كبار أمثال محمد بشير عتيق ومبارك المغربي ومحمد يوسف موسى ومحمد علي أبو قطاطي في بدايات السبعينات.
(6)
حاز الشاعر مختار دفع الله على ليسانس كلية الآداب جامعة الزقازيق 1984م وعمل متعاوناً مع إذاعة وادي النيل بجمهورية مصر العربية منذ عام 1980م وحتى 1987م في مجالات إعداد وتقديم برامج المنوعات والبرامج الثقافية. عمل في سكرتارية تحرير جريدة الخرطوم السودانية ثم رئيساً لقسم المنوعات حتى صدور إيقاف الصحف وعمل متعاوناً بالقسم الثقافي لجريدة القوات المسلحة السودانية، صدر له ديوان شهير “أنا يا بلد” عام 1977م.
تغنى له العديد من المطربين السودانيين ولديه أكثر من ثلاثين أغنية بمكتبتي الإذاعة والتلفزيون السوداني وإذاعة وادي النيل بمصر، قام بإعداد وتقديم العديد من البرامج بإذاعة وتلفزيون السودان وإذاعة وادي النيل، ونشرت له العديد من الأعمال بالصحف السودانية المختلفة وصحيفتي الأهرام والجمهورية (المصرية).