1مارس 2022م
بشير محسن .. أبو شعور رقيقة!!
التفرد الإبداعي لشرحبيل أحمد ونمطه الغنائي المثير كان نتاج تجربة شعورية ووجدانية فيها الكثير من الشركاء .. ولعل الفن السوداني شهد الكثير من الثنائيات الإبداعية التي لوّنت الوجدان السوداني .. مثل عثمان حسين وحسين بازرعة .. وردي وإسماعيل حسن .. محمد الأمين وفضل الله محمد وغيرها من الثنائيات التي مازال صداها الإبداعي حاضراً حتى اليوم .. ولعل الشاعر(بشير محسن) يعتبر هو النصف الجمالي الآخر للمبدع شرحبيل.
تجارب ما قبل شرحبيل:
الثنائية الإبداعية ما بين شرحبيل أحمد والشاعر بشير محسن أنتجت العديد من الأغاني الفارعة .. ولكن تاريخياً يمكن القول ان شاعرنا بشير محسن كانت له تجارب غنائية قبل أن يلتقي بشرحبيل أحمد .. فهو بدأ كتابة الشعر منذ أن في المدرسة الثانوية ، قبل أن يبدأ التعاون مع الفنانة (عائشة الفلاتية)، حيث كان ذلك في العام 1951 بحسب ما ذكر الأستاذ معاوية حسن يس في كتابه من تاريخ الموسيقى والغناء في السودان .. وللحقيقة أن الشاعر بشير محسن يمتلك أيضاً موهبة التلحين .. إذا أن إحدى أغنياتهما الثلاث المسجلة في الإذاعة كانت من ألحانه، والأغنيات الثلاث هي (الملاك السامي) وسجّلت للإذاعة في العام 1957 .. وأغنية (آمال) في العام 1958 وأغنية (حبيب وجداني) وسجّلت في نفس العام.
مع عائشة الفلاتية:
يُحتمل أن عدد الأغنيات التي قدمها بشير محسن إلى الفلاتية أكثر من مِمّا تحتفظ به الإذاعة في مكتبتها الصوتية ، ذلك لأنّ التسجيل الإذاعي وقتها لم يجد طريقه للإذاعة إلا في وقت مُتأخِّر من الأربعينيات واقتصر على الأسطوانات ولم تدلف الإذاعة الى عهد التسجيل بالشريط المغنطيسي إلا في وقت متأخر من الخمسينيات ، حيث لا يعرف سبب واضح لسقوط عدد من أشهر أغنيات عائشة الفلاتية التي صاغها شعراً بشير محسن وربما (لحناً) أيضاً ومنها أغنية (شوفتك غالية يا حبيبي) ، (سمعت مرة كلام) و(مالو القمر).
نجاح الأغنيات:
نجاح الأغنيات ما بين بشير محسن والفلاتية جعل المطربات المنافسات على التعاون معه، وقدم وقتها الى الفنانة فاطمة الحاج العديد من الأغنيات منها (كيف حالك) من ألحان علاء الدين حمزة ـ أغنية (في قلبي سهام) و(ايه الأسباب) من ألحان عثمان خضر، وقدم لمنى الخير أغنية (نظرة بس) وإلى أماني مراد أغنيتها الشهيرة والمعروفة (مبروك النجاح)، وهي الأغنية التي ولجت بها عالم الفن والنجاح، وتعاون بشير محسن مع عدد من المطربين الذين ارتبط بعلاقة خاصّة معهم بحكم نشأته في حي البوستة بأم درمان ومنهم العاقب محمد حسن في أغنية (نوّر عيني) ورمضان حسن ومحجوب عثمان.
ثنائية مع شر حبيل:
المُعادلة الإبداعية عند بشير محسن أخذت وضعيتها واعتباريتها مع بزوغ نجم الفنان شرحبيل أحمد، كان بشير محسن وقتها يستند على أغنياته الناجحة وشرحبيل في بداية سلم النجومية، وفي ذلك قال “بلا شك ان الراحل بشير محسن كان من أهم وأروع من غنيت لهم، وكنا نُشكِّل تناغماً كبيراً، قدمنا أعمالاً أرضت جمهورنا، فهي تجربة كانت متميزة وفريدة، وكثيراً ما كنا نضع الألحان معاً فهو ملحن أيضاً. حيث تم التعارف بينهما في العام 1953″، وذكر بشير محسن عن حفلة كانت في نادي حي البوستة وكان شرحبيل مشاركاً فيها وقال “كنت أعرف موهبته وتفرده ومنذ أن سمعت صوته للمرة الأولى أدركت بأنه صوت يمثلني”، وأضاف محسن (كنت أبحث عن صوت يعبر عني وتوجهت إليه وعرّفته بنفسي وقلت له إنني أُعجبت بك وأريد أن نتعاون سوياً).
عهد جديد في الأغنية السودانية:
ذلك التعارف العفوي والحميم كان هو بداية انطلاقة عهد جديد في الأغنية السودانية ، حيث شرحبيل أحمد الفنان المتجاوز وقتها بطريقته الغنائية الجديدة وأسلوبه المُتفرِّد في التلحين كل ذلك تطابق مع الموهبة الشعرية الفذة، فكان الناتج إبداعا مختلفا مازال صداه يرن حتى الآن وتتناقله الأجيال الى يومنا هذا.. وتميزت الأعمال الغنائية لشرحبيل أحمد وبشير محسن بالألحان الراقصة الهادئة والجمل الموسيقية القصيرة، واعتمد كثيراً على آلات النفخ النحاسية كالساكسون والترمبيت والترمبون والباص جيتار والجيتار والأورغن، وذلك في تمازج مع الإيقاعات السودانية المُختلفة، حيث غنى شرحبيل أحمد لبشير محسن قائمة من الأغنيات “مين في الأحبة ــ أبو شعور رقيقة ـ خطوة خطوة ـ لو تعرف الشوق ـ البهجة في عينيك ـ ستار يا ليل ـ يا شاغلني ـ يا تايه في ظلام الحب ـ مناي أشوفك تاني”.
رصانة إبداعية:
كلها أغنيات اتسمت بالرصانة اللحنية والصياغية ، وشكلت بعثاً جديداً في الأغنية السودانية ، نسأل الله تعالى أن يمد في أيام المبدع الأصيل شرحبيل أحمد والرحمة والمغفرة لشاعرنا الكبير بشير محسن بقدر ما قدم من عطاء إبداعي متجاوز.