محمد البحاري يكتب : الغناء الشعبي في السودان!!
26فبراير2022م
ازدادت الأصوات الرافضة لشكل الغناء الشعبي في الآونة الأخيرة في السودان ، ناظرين إلى الماضي ينعي الكثيرون مستوى الأغنية الشعبية في أمة ورثت فنونها عن محمد وردي والكاشف ومحمد الأمين وغيرهم وعن ثقافة موسيقية تشكلت على يد موسيقيين أمثال برعي محمد دفع الله وعمر الشاعر وأحمد زاهر وود الحاوي، وصل الأمر عند بعض مثقفي الفن الذين يدعون امتلاك خصوصية ثقافية أن ينتقدوا الغناء الشعبي ذاته بمعزل عمن يقومون بأدائه.
ربما يغفل أصحاب هذا المذهب من المغالين في نقد الأغنية الشعبية عن أن الغناء دوماً كان للشعب ومن الشعب. فبالنسبة لشعبنا السوداني كان الغناء والفن رفاهية مخلصة لآلام الحياة ومللها، يكفي أن تزور أي مدينة سودانية لترى أن الفن يتغلغل بنسيج الوعي لدينا؛ فالعمال البسطاء يرددون الأغاني لتساعدهم على تمضية اليوم وشد العزيمة فيما بينهم، والفلاحون فيما مضى قبل اختراع آلات الري الحديثة، كانوا يستجدون الهمة لرفع الشواديف الثقيلة لري الأراضي.
ويجب أن أقول الغناء الشعبي بدأ مبكرا في السودان ، ويمكننا أن نرجع ملامح الأغنية الشعبية الحديثة للقرن التاسع عشر، فالنتاج التراثي من تلك الفترة هو ما شكّل لاحقاً شكل الأغنية الفلكلورية في بداية القرن العشرين في مختلف الأقطار العربية من المحيط إلى الخليج.
وتأسيساً على ذلك، جمعتني حلقة في قناة الهلال قبل أن تصبح قناة البلد لاحقاً مع الدكتور صيدلي الفنان محمد عبد الله وهو صاحب صوت شجي متفرد في الغناء الشعبي وفوق ذلك صاحب أخلاق فاضلة يعطي الناس قدرها بكل أريحية في التعامل مع الآخرين قابلته كثيراً بدار الخرطوم جنوب لكني لم اسمعه عن قرب إلا في هذه الحلقة فقد اختار أغنياته بذكاء وعناية ودراية جعلت كل طاقم البرنامج يتمايل طرباً واذا أخذنا تعريف الغناء الشعبي بأنه الذي يختص بمنطقة أو بيئة بعينها لكنه في الواقع أصبح صالحاً لكل زمان ومكان وواضح التأثير والتفاعل بشكل كبير جداً ..
مالفت انتباهي التنويه الذي قام به الفنان محمد عبد الله من خلال الحلقة بأن الفنانين الكبار باتحاد (فن الغناء الشعبي) وإدارة الاتحاد يدعون فناني الغناء الشعبي من الشباب لاجتماع للتفاكر والعمل من أجل استلام الفنانين الشباب مقاليد الأمور باتحاد (فن الغناء الشعبي) والعمل من أجل الفن الشعبي..
أعتقد أن هذه الدعوة تصب في خانة الرواد من الفنانين الكبار باتحاد (فن الغناء الشعبي) ومعرفتهم بأن تعاقب الأجيال هو سنة الحياة ولا بد من تجديد الدماء في كل مؤسسة حتى تقوم بدورها المنوط ..
وكنت قد هاتفت الفنان (محمد عبد الله) لأعرف منه بحسي الصحفي ماذا حدث بخصوص الدعوة فأكد لي بأن الاجتماع قام في نفس الزمان والمكان وكان ناجحا جدا وتسلم فيه الشباب لجان مساعدة مع الرواد من الفنانين للعمل سويا من أجل نهضة الاتحاد والغناء الشعبي على وجه العموم.
هذه تعد بمثابة سنة حسنة لكل الجمعيات والاتحادات للبحث عن الدماء الحارة القادرة على العطاء وعدم التشبث غير المنطقي بالوجوه القديمة والعمل على بث روح جديدة داخل الكيانات ..
اكد لي الفنان الدكتور (محمد عبد الله) انه هو والأستاذ الفنان (يوسف البربري) أنهم بدأوا بعمل دؤوب في الاتحاد وذلك بالاستفادة من الرواد ووضع أيديهم ناصعة لكل الفنانين الشباب كل يدلو بدلوه من أجل النهوض بفن الغناء الشعبي الذي يعتبر مدرسة من المدارس الفنية لها معجبوها الكثيرون جدا.