الخرطوم: إبتسام حسن
يوم الإثنين الماضي كان يوماً له وقعه المرير على الأسر السودانية، وكان يوماً دامياً بكل ما تحمل المفردة من معنى، غير أن هذا اليوم تبعته أيام عجاف أُخَر أدت إلى الموت بسبب عدم الوصول إلى المرافق الصحية لما تبع ذلك من إغلاق الشوارع، وموت المرضى لعدم تلقي الخدمة الطبية.
احتضنت مشارح الخرطوم أكثر من 61 جثة بسبب إصابات مختلفة سجلتها المستشفيات الحكومية منها ضرب بالعصي والسيخ وطعن بالسلاح الأبيض. وكشف وكيل وزارة الصحة المكلف، د.سليمان عبد الجبار تلقّي المستشفيات 11 حالة قتل وذبح خلال 3 أيام تلت الأحداث التي شهدتها الخرطوم من قبل مجموعات وصفها عبد الجبار بالمتفلتة، وأكد في تصريحه لـ(الصيحة) وفاة 3 مرضى مصابين بالفشل الكلوي تعذّر وصولهم لمستشفى السلاح الطبي بسبب إغلاق الطرق.
غير أن مصير 20 طفلاً يجرون الغسيل الدموي بمستشفى جعفر بن عوف بانتظام ظل مجهولاً بعد تعذر وصولهم إلى المستشفى من ضمن 25 طفلاً تلقى 5 أطفال منهم فقط الغسيل.
وتوقع الوكيل حدوث وفيات بينهم فضلاً عن تسجيل وفيات بسبب عسر الولادة ومشاكل في الجهاز التنفسي لعدد من الأطفال، كما توقع الوكيل حدوث عدد من الوفيات في ظل الظروف الحالية، إذ أنه حسب الوكيل فإنه في الظروف الطبيعية فإن نسبة 5ـــ 10% من المرضى يحتاجون للعناية الطبية، وأشار إلى أن الإحصائيات التي تحدث عنها هي فقط للوفيات التي تم التبليغ عنها، متوقعاً حدوث وفيات أخرى لم يتم التبليغ عنها.
تدمير صروح
مستشفى عبد الفضيل الماظ الذي ظل صرحاً له قيمته الأثرية العميقة في نفس المواطن، غير قيمته الخدمية لما يقدمه من خدمات في مجال العيون كمستشفى مرجعي يلجأ إليه المواطن من كل حدب وصوب، شهد تدميراً كاملاً من قبل متفلتين كما وصفتهم وزارة الصحة بحسب جولة على المستشفيات نظمتها الوزارة، وتوقف المستشفى عن العمل بشكل تام ليتم هدر مليارات الجنيهات تنتظر أن تُدفع من جهد المواطن المغلوب على أمره، وبذا تكون قد ضاعت مليارات الجنيهات صرفها ذات المواطن فضلاً عن دعومات خارجية كانت وردت إلى المستشفى ليتم تأسيسه من قبل، بعد أن تم تدمير كل الأجهزة والمعدات والمحاليل، وهذه الأحداث أدت إلى التأثير على المرضى بصورة كاملة بعد أن توقف المستشفى عن العمل، وتعرض المستشفى لدمار كامل، بعد أن هجم عليه متفلتون بعد احتكاكات بينهم يوم الإثنين والسبت الماضيين.
وأكد مدير عام المستشفى أن هناك مناوشات بين المتفلتين بدأت في تدمير المستشفى دون النظر إلى قيمة الأجهزة والمعدات الطبية، وقال المدير إن مركز كارتر أحد أقسام المستشفى وبنك الدم تم تدميرهما بالكامل، كما تم تدمير قسم زراعة القرنية، مؤكدًا أن الدعم الذي كان يتلقاه المستشفى معظمه من الخارج.
توقف مستشفى أم درمان
عندما تدلف لمستشفى أم درمان، أول لما يتبادر إلى بالك هو الازدحام، غير أن يوم أمس كان يوماً مختلفاً، فبالرغم من تكدس العيادات، إلا أنه ليس بالازدحام المألوف للمستشفى، وتوقعات الأطباء تدور في فلك تعذّر وصول المرضى إلى المستشفى لتلقي الخدمة، كما أن هاجس الموت يدور بخلد الأطباء خاصة من قبل الحالات الطارئة التي ظلت تستقبل المرضى بشكل ضعيف يوم أمس، إلا أن الأحداث كانت حاضرة في بهو المستشفى عندما مرت بـ(الصيحة) وعدد من القنوات الفضائية الخارجية نقالة عليها شاب عشريني تتهافت عليه أسرته والدموع تذرف من بعض المرافقين من أسرة الشاب الذي التقطته كاميرات القنوات الفضائية جاء في حالة صدمة بعد أن توفي شقيقه جراء الأحداث الأخيرة، غير أن ذات المستشفى الذي يحتضن الازدحام توقف عن العمل منذ يوم الإثنين الماضي ولم يعاود العمل إلا يوم أول أمس والأسباب تضاربت حول توقف الخدمة بالمستشفى.
ففي الوقت الذي أكد فيه مدير الإعلام والعلاقات العامة حسن أبوضلع أن الأسباب تعود إلى تعذر وصول الكوادر الطبية إلى المستشفى، أكدت إحدى الطبيبات لـ(الصيحة) أنه حدثت مناوشات بين متفلتين أدت إلى إصابة أحدهما قرب المستشفى، غير أن إدارة المستشفى رأت أن المستشفى قد يمر بظروف غير آمنة كما حدث من قبل، الأمر الذي أدى إلى إغلاقه.
تهشيم إسعافات
كما طال التدمير المعاني في البلاد، تبعته المباني وأخيراً المعدات التي وُفّرت بدماء أبناء الوطن، وذلك ما كشفه وكيل وزارة الصحة في حديث لـ(الصيحة) عن تدمير 14 عربة إسعاف بواسطة مجموعات وصفها بالمتفلتة، هذا فضلاً عما يعانيه المرضى من تغيّب الكوادر الطبية الذي اعتبره الوكيل النتيجة الحتمية للوفيات بين المرضى، وتخوّفاً من حدوث ما لا يحمد عقباه، دعت وزارة الصحة لاجتماع طارئ أول امس لمديري المستشفيات أكدوا من خلاله وضع ترتيبات لتفعيل الأقسام بالمستشفيات التي توقفت عن العمل، وطالبوا بضرورة التأمين الشرطي للمستشفيات والكوادر الصحية، وتأمين انسياب حركة الإسعافات، غير أن هناك مبادرة من قبل الأطباء للانخراط في العمل وجدت ارتياحاً من قبل الوكيل لجهة حساسية المهنة.
شائعة
كعادتها سرت الشائعات كالنار في الهشيم، عندما استهدفت مؤسسة ذات حسّاسة هي الصندوق القومي للإمدادات الطبية، بعد أن سرت شائعة باحتلال الصندوق من قبل قوات نظامية والتي نقلتها عدد من القنوات الفضائية الخارجية، إلا أن مدير الصندوق القومي للإمدادات الطبية، د. عبد الرحمن محمد الجعلي وصف الخبر بالفاجعة، وأكد عدم وجود أي احتلال للصندوق من تلك القوات، معتبراً أن الصندوق يحتل موقعاً استراتيجياً تُخزّن فيه كل الأدوية التي تحتاج إليها البلاد، وقال إن الخبر الذي تناقلته القنوات عارٍ من الصحة، وإن الهدف منه خلق الذعر وسط المواطنين والمرضى، مشدداً على أن الخبر لا يخلو من أجندة، وقال إن العمل منساب بالصندوق، وإنه يقدم الخدمة لكل قطاعات الشعب السوداني دون تمييز بين حزب أو جهة سياسية أخرى.