نهاية أزمات الانتقالية.. هل تتم بالعودة لمنصة التأسيس؟

 

الخرطوم: الطيب محمد خير   25فبراير2022م 

أُثيرت في حلقة النقاش التي نظمها المركز الأفريقي لدراسات الحكومة، جدلية تعديل الوثيقة الدستورية والعودة الى منصة التأسيس، حيث طالب القيادي بحزب الأمة القومي اسماعيل كتر بضرورة العودة إلى منصة التأسيس بغية الوصول الى نتائج واقعية تسهم في الخروج من الازمة المركبة. فيما قال الأمين السياسي لحزب تجمع الوسط علي الشريف بإمكانية تعديل الوثيقة الدستورية، وطالب علي الشريف الذي تحدث باسم قوى الحرية والتغيير مجموعة الميثاق بضرورة تكوين منصة مدنية لمناقشة انسداد الأفق السياسي بجانب استغلالية المجتمع المدني.

تزايد الدعوات

ظلت الدعوات تتزايد داخل قوى الحرية والتغيير للعودة إلى منصة التأسيس وتعديل الوثيقة الدستورية قبل عام ونصف بشكل يوسع خيارات المشاركة في الفترة الانتقالية كمحاولة يرى البعض أن تعديل الوثيقة الدستورية وهو تعديل دستوري والعودة الى منصة التأسيس ضروري لكسر حصرية انفراد القوى السياسية من مكونات قوى الحرية والتغيير التي قادت التفاوض ووقّعت على الوثيقة الدستورية, اشتهرت اصطلاحاً (بأربعة طويلة) والتي انفردت بالسلطة قبل توقيع اتفاق جوبا، لأن رئيس الوزراء ملزم بتنفيذ برنامج إعلان الحرية والتغيير وهذا ما نصت عليه المادة (16) من الوثيقة الدستورية ان على رئيس مجلس الوزراء تنفيذ مهام الفترة الانتقالية وفق برنامج إعلان الحرية والتغيير الوارد في الوثيقة الدستورية شريطة التوافق بين المكون العسكري وقوي الحرية والتغيير رغم انّ الأخيرة ظلت دائمة الشكوى من عدم التزام رئيس الوزراء بالرجوع اليها في ما يتبعه من خطوات، فضلاً عن انه لم يلتزم ببرنامجها، في وقت أعلن فيه رئيس الوزراء انه لم يتسلم أي برنامج كان هذا سببا لنشوء التشاكس وعدم تنفيذ مهام الفترة الانتقالية ، في المقابل جاء اتهام عدد من القوى السياسية لمجموعة الأربعة أحزاب وهي (البعث ــ التجمع الاتحادي ـــ الأمة القومي والمؤتمر السوداني) أنها تسيطر على قيادة الحكومة والمشهد السياسي وخرج الخلاف المحتدم الى العلن بعد توقيع اتفاقية جوبا، حيث أصبحت أطراف العملية السلمية جزءاً من التوافق والمشاركة في السلطة الذي يتعارض مع هذا الإقصاء الذي تمارسه مجموعة الأربعة الذي كان احد الدوافع القوية للمُطالبة بالعودة لمنصة التأسيس.

مجلس جديد

وفي ما يلي تعديل الوثيقة الدستورية، فقد جرى الحديث عن تعديلها في 2 نوفمبر 2020، بهدف تعيين رئيس للقضاء، وتضمين اتفاق جوبا للسلام 2 نوفمبر لسنة 2020، تشكيل مجلس جديد في البلاد تحت مسمى “مجلس شركاء الفترة الانتقالية”، يختص بالفصل في الاختلافات التي قد تنشأ بين الأطراف السياسية المختلفة، وتم تعديل المادة (11) في الوثيقة بإضافة ثلاثة أعضاء لمجلس السيادة تختارهم أطراف العملية السلمية المُوقّعة على اتفاق جوبا، وشمل تعديل الوثيقة الدستورية + حساب بداية الفترة الانتقالية في السودان، إذ تم تعديل موعد بدايتها، ليصبح من تاريخ التوقيع على اتفاق جوبا أي في 3 أكتوبر الماضي.

ويرى خبراء قانونيون أن اكبر خرق في تعديل الوثيقة التعديل الذي تم في المادة (15) التي نصت على تكوين الحكومة من كفاءات مستقلة، حيث تم حذف مفردة مستقلة وبقيت مفردة الكفاءة في محلها لكنها كفاءة محاصصة حزبية وليست مستقلة، وانفراد مجموعة الأربعة من قوى الحرية والتغيير بأن يختاروا مرشحيهم ليس من كفاءات وطنية، وانما كفاءات من احزابهم رغم ان الشراكة السياسية  حق لكل الأطراف مدنيين وعسكريين، وأطراف العملية السليمة لا يستطيع طرف او مكون ان ينفرد بقرار أو الحكم لوحده  ولا يستطيع إقصاء الآخرين من حكم المرحلة الانتقالية القائمة على وجوب التوافق والمشاركة، ومحاولة اي طرف من المكونات الخروج من هذا الوضع يُعد خرقاً للوثيقة الدستورية.

حالة احتقان

لكن يبقى السؤال هل العودة لمنصة التأسيس وتعديل الوثيقة الدستورية سيغيِّر أو بالأحرى يفك حالة الاحتقان ويحدث اختراقاً في الأفق المسدود.

وابتدر الخبير القانوني نبيل اديب حديثه لـ(الصيحة) فيما يختص المطالبة بتعديل الوثيقة الدستورية قائلاً في البدء دعنا نتفق اولاً ان السودان اصدر عددا من الدساتير يفوق عددها الستة لكنه لم يفلح في بناء دستور بمعنى ان الحاكم يحترم الدستور، مبيناً ان هذا الأمر مهم لانه لا يمكن ان يكون هناك نظام دستوري دون ان يحترم هذا الدستور ، وهذا الاحترام يجب ان يتم بواسطة السلطات الحاكمة بالتحديد، لجهة انها هي التي تصدر القوانين والأوامر، وبالتالي لا تجدني متحمسا للإسراع لتعديل الوثيقة الدستورية، لكن ان حدث إجماع من كافة القوى السياسية ما عدا المؤتمر الوطني يكون خارج هذا الإجماع، ففي هذه الحالة يمكن تعديل الوثيقة الدستورية دون ان يتم خرقها، وأضاف نبيل أن الوثيقة الدستورية نفسها تحدثت عن تعديلها، لكن لا يصح لشخص أو جهة أن تعدلها بإرادتها المنفردة باعتباره حاكما، وعملية التعديل وفق أسس قانونية ودستورية، عملية مهمة ويجب ألا يتم القفز عليها.

تعديل الوثيقة

واشار نبيل الى ان الشروط الواجب توافرها ليتم تعديل الوثيقة الدستورية وهي موافقة أغلبية ثلثي المجلس التشريعي، لكن هذا الشرط غير متوفر لأنه حتى الآن لم يُكوّن المجلس التشريعي وهذه إشكالية، وبالتالي خرق الوثيقة تم عبر عدم الالتزام بتكوين المجلس التشريعي، وكما ذكرت لك إن تم إجماع من قبل كافة المكونات الموجودة في المشهد السياسي ما عدا المؤتمر الوطني، في هذه الحالة يمكن تجاوز شرط التعديل بموافقة ثلثي اعضاء المجلس التشريعي بغرض الوصول لتوافق سياسي، ويجب ان يعقب ذلك فوراً الالتزام بتكوين هياكل السلطة وفقاً للوثيقة الدستورية.

منصة التأسيس

وفيما يلي الحديث عن العودة لمنصة التأسيس، قال نبيل إن منصة التأسيس التي اصدرت الوثيقة الدستورية كما هو معلوم للجميع ان منصة التأسيس هو الاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري الذي كان يحكم وقوى الحرية والتغيير، لكن الآن قِوى الحرية والتغيير أصبحت مكونات مختلفة، وإن تم الإجماع بين المكونات الأساسية هذه هي منصة التأسيس، ويجوز لها ان تضع تعديلات اساسية في الوثيقة الدستورية، لكن أي إجراء يتم بهذا الخصوص من مكون منفرد يكون خرقاً للوثيقة الدستورية.

ترف فكري

من جانبه، قال القيادي بالتجمع الاتحادي معز حضرة لـ(الصيحة) ان الحديث عن العودة لمنصت التأسيس والمطالبة بتعديل الوثيقة الدستورية حديث سابقٌ لأوانه ويُعد من قبيل الترف الفكري وانصرافاً عن متطلبات المرحلة التي تتصدّرها مقاومة الانقلاب التي تم في 25 اكتوبر والتف على الوثيقة الدستورية، وأضاف الآن نحن مشغولون بمعركة تثبيت وإعادة الحكم المدني والذي لا يشوبه أي أثر عسكري، وعندما يعود الحكم المدني هو الذي يُقرِّر ماذا يكون؟ لكن أي حديث وإثارة جدل من هذا القبيل في الوقت الراهن لا يُعد أن يكون ترفاً سياسياً.

زر الذهاب إلى الأعلى