إطلاق سراح عبد الغفار الشريف.. من “غيابة الجب” إلى فضاء الحرية
عبد الغفار هو المتسبب الأول في إقالة صلاح قوش والدستورية تتبرأ من قرار إطلاق سراحه
أعدها: النذير دفع الله
بدأت قضية عبد الغفار الشريف عبد الله، حينما توافرت معلومات وبينات لدى جهاز الأمن تفيد بتورط أحد أعضائه في قضايا فساد ومخالفات وتجاوزات، وعلى أثر ذلك تم التحقق مع المعلومات الواردة ومدى صحتها مما دفع جهاز الأمن والمخابرات الوطني بالتقدم بعريضة بصورة رسمية أمام نيابة أمن الدولة، حيث تضمنت العريضة معلومات ومستندات بل وشهود من داخل المؤسسة الأمنية وخارجها لم تكتف المؤسسة الأمنية بالبينات المبدئية التي أشارت إلى تورط أحد منسوبيها في جرائم ومخالفات لعدد من القوانين تمثلت في مخالفة أحكام القانون الجنائي وقانون الثراء الحرام والمشبوه، بالإضافة إلى مخالفة مواد قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب وقانون الأمن الوطني، فضلاً عن مخالفة قانون الإجراءات المالية والمحاسبية لسنة 2007م. ووفقاً لتلك المصادر، فإن نيابة أمن الدولة استمعت لأكثر من (20) شاهد اتهام، وحصلت على مستندات ووثائق أثبتت أن المتهم لديه معاملات مالية مع عدد من رجال الأعمال المعروفين، لم يكن من الحصافة إعادة الرجل للخدمة مرة أخرى بعد إقالته للتعاقد وهو ما يعطي دلائل ومؤشرات أن وراء العودة أمر آخر.
محاكمة عسكرية
تعتبر محاكم جهاز الأمن مختصة بمحاكمة أعضاء الجهاز المخالفين لأحكام قانون الأمن الوطني، أو أي قانون آخر، وكانت رئاسة الجهاز قد شكلت محكمة جهاز الأمن غير الإيجازية للنظر في قضية عبد الغفار الشريف. وكانت نيابة أمن الدولة قد أحالت ملف القضية إلى محكمة جهاز الأمن غير الإيجازية.
واستمعت المحكمة للمتحري والشاكي، بالإضافة إلى الاستماع لقضيتي الاتهام والدفاع الذي مثله المحامي حسن البرهان عبد الرحمن منذ التحري وحتى المحاكمة، وأسقطت المحكمة وقتها (10) تهم من التي وجهت لعبد الغفار، ووجهت له تهمة واحدة تحت المادة (59) من قانون الأمن الوطني المتعلقة بإساءة ممارسة السلطة واستغلال الوظيفة، وأغلقت المحكمة قضية الدفاع بعد أن استمعت إليها فيما عقدت جلسات اللواء عبد الغفار الشريف بمقر نيابة أمن الدولة داخل مباني هيئة العمليات بجهاز الأمن بالخرطوم، حيث وجهت له المحكمة تهماً تحت مواد من القانون الجنائي وقانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه تتعلق بالكسب غير المشروع واستغلال النفوذ وخيانة الأمانة والرشوة والابتزاز وغسيل الأموال وبنود أخرى من لائحة ضباط جهاز الأمن الوطني.
طعن دستوري
كاد يمضي العام بعد محاكمة الرجل بالغرامة والسجن وهو ما أراد له قوش أن يكون ويحدث في حق الشريف الذي انقطعت أخباره لفترة ولم يظهر إلا وهو خارج القضبان حراً طليقاً يتمتع بالحرية التي نالها بعد طعن تقدم به محاميه دون تفاصيل أخرى، لكن المحكمة الدستورية تبرأت من قرار إطلاق سراحه، حيث أكدت أنها لم تصدر أي قرار أو تقوم بإجراء منذ الحادي عشر من أبريل لحظة تعطيل الدستور، مضيفة أن أحكام المحكمة والإجراءات التي تصدرها يتم نشرها للرأي العام، ولكن خروج عبد الغفار في هذا التوقيت بعد زوال النظام السابق والذي من ضمنه مدير جهاز الأمن والمخابرات وُجدت كثير من التساؤلات لدى الرأي العام والمتابعين تفاصيل قضيته، منها لماذا لم يتقدم ذات المحامي بالطعن في الحكم منذ أشهر مضت، وما الجديد الذي استند عليه محامي الرجل خاصة وأن الشريف محسوم على النظام السابق بل وتحوم حوله مجموعة من الشبهات واستغلال النفوذ والتكسب بطريقة غير مشروعة.
انتقاص العدالة
المحامي والقانوني أبو بكر عبد الرازق قال للصيحة: لقد اعترضت كثيراً في الكيفية التي حوكم بها عبد الغفار الشريف، وكتبت ذلك الاعتراض صراحة في بعض الأجهزة الإعلامية، ووسائل التواصل الاجتماعين بأنني ضد أن يقدم عبد الغفار الشريف لمحاكمة عسكرية داخل جهاز الأمن والمخابرات سيما وأن المحكمة العسكرية تم تكوينها بواسطة خصمه السابق صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق، وهو ما يعد إخلالاً في إجراءات المحاكمة العادلة، وطالبتُ وقتها أن يتقدم جهاز الأمن والمخابرات ببلاغ بواسطة النيابة العادية في دائرة الاختصاص وأن يقدم لمحاكمة لدى القاضي الطبيعي، وأن تسير الإجراءات بعد ذلك وما يترتيب عليها من قرار يظل هو محل قبول، ثم الاستئناف والطعن، ويظل الحكم النهائي محل احترام باعتبار أنه قضاء نزيه ومحايد. وأوضح عبد الرازق أن تكون محاكمة عبد الغفار الشريف محكمة عسكرية يكونها مدير جهاز الأمن والمخابرات الذي هو عدو للمتهم هي النقطة التي وقفت ضدها، وما زلت عن ذات الرأي، مضيفاً أنه إذا تم إطلاق سراحه نتيجة للحكم أو الطعن في الحكم فهذا يعتبر حقاً قانونياً. لذلك، فإن أي شخص تضرر أو متضرر من هذا الحكم عليه أن يذهب للخطوة الأخرى قضائياً.
وأشار عبد الرازق أن القضاء غير مرتبط بوقت محدد أو تاريخ فيمكن أن يطلق سراح أي شخص في أي وقت متى ما توفرت البراءة والحكم العادل، ولا علاقة للقضاء بأي حسابات أخرى أو أوضاع سياسية، ولكن مجرد أن يصل القضاء لقناعة تشكل ملامح الحكم يصدر الحكم دون مراعاة للأوضاع السياسية الموجودة في الساحة، لأن القضاء جهة سيادية مستقلة لا شأن لها فيما يدور في عالم السياسة.
وشدد أبوبكر أنه ليس هنالك ما يمنع أن يتمتع عبد الغفار بالحرية وأن يمارس عمله أو يتقلد أي منصب سياسي أو تختاره الدولة أن يكون مكلفاً في جهة من الجهات، ولكن قانوناً لا يمنعه من ذلك، خاصة أن البراءة تعني أي تهمة متعلقة بالأمانة والشرف قد سقطت، وأي اتهام جنائي قد سقط، كاشفاً أن إطلاق سراحه يعني سقوط كل التهم الموجهة ضده، وأن تلك التهم لم ترق لعقيدة المحكمة للإدانة، عليه فإن المحكمة قد رجحت البراءة.
وكشف أبوبكر أن عبد الغفار الشريف هو الشخص الذي تسبب في الإطاحة وإقالة صلاح قوش من جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وبالتالي، فإن عودة قوش لرئاسة الجهاز ما كان ينبغي له أن يقدم عبد الغفار لمحاكمة عسكرية والتي جاءت بعد إقالته من الجهاز، ثم أعاد خدمته مرة أخرى لتتم محاكمته عسكرياً، لذلك فإنها محاكمة غير عادلة.
طعن دستوري
اللواء حقوقي بالقضاء العسكري، محمد جاه الرسول، قال (للصيحة): يمكن لأي شخص تمت محاكمته عسكرياً أن يتقدم بطعن للمحكمة الدستورية حول الحكم الصادر تجاهه، مشيرًا أن الكثير من المنتمين للقوات العسكرية دائماً تكون حجتهم حول إعادتهم للخدمة مرة أخرى، ومن ثم محاكمتهم عسكرياً، وأوضح جاه الرسول بعدم معرفته وإلمامه بقانون جهاز الأمن والمخابرات سيما فيما يتعلق بمحاكمة عبد الغفار الشريف، مؤكداً عدم توفر العدالة في الحكم، خاصة بعد الفصل من المؤسسة العسكرية، إذ لا يمكن إرجاع شخص للخدمة بعد فصله من أجل محاكمته عسكرياً، مبرراً ربما هناك تخوف من عدم تسريب المعلومات التي يتم عرضها داخل قاعات المحاكم المدنية مما يؤثر سلباً في تشتيت تلك المعلومات، ولكن مهما كانت المبررات فإنه أمر لا تتوفر فيه إجراءات العدالة الكاملة، مشدداً بمحاكمة كل فرد أحيل للصالح العام أم تتم محاكمته مدنياً، لأنه اصبح مدنياً واتباع الإجراءات المدنية المعروفة.
وكشف جاه الرسول أن المحاكم العسكرية تقوم بتطبيق القانون العسكري والقوانين الأخرى منها قانون المخدرات والجرائم وغيرها منبهاً أن قانون العام 2007 يسمح للشخص بإحضار من ينوب عنه أو يمثله من المحامين أمام الفضاء العسكري، وهو ذات الإجراء المتبع في محاكمة موسى هلال، مضيفاً أن المحاكم العسكرية تختلف من غيرها فقط في سرعة الإجراءات التي تأخذ أقل وقت ممكن .