(العفو)، عبارة دائماً ما نتبادلها أيام العيد، دعوة منا للتسامح وتصفية النفوس وتناسي كل الأحقاد والضغائن في أيام يسودها التسامح والطيبة والمغفرة والتقرب إلى الله، ومع كل ذلك، نجد أن هناك من لا يعملون على اغتنام تلك اللحظات والأيام المباركات لغسل نفوسهم من الأحقاد..
فهل العيد بالفعل فرصة سانحة للتسامح؟ وهل يغسل كل الضغائن والأحقاد؟ أم إن هناك ما يصعب علينا فيه تمزيق فاتورة الماضي.
(الصيحة) ناقشت القضية مع عدد من المهتمين وخرجت بالتالي .
أجرته : منى النور
دعوة للتسامح
يرى الموظف إسماعيل السيد، أن العيد فرصة سانحة لغسل كل الأحقاد، وهو دعوة للتسامح، ونحن كشعب سوداني نحرص فيه على نيل العفو من كل شخص مهما كبر ذلك الذنب في نفوسنا، والعيد فرصة لتوطين النفس على التسامح وتطهير وغسل القلوب من الأحقاد والضغائن التي ارتكبها الشخص في حق غيره، وهو شعور جميل أن نسامح بعضنا البعض. وفي اعتقادي أن التسامح من الأشياء التي تصعب على الكثيرين، فالتسامح أساس لحياة سعيدة، فعندما نسامح أنفسنا ونسامح غيرنا نشعر براحة نفسية عالية والشخص غير المتسامح يعيش في حالة نفسية سيئة. وفي ذاكرتي جيراننا يسكنون في منزل واحد، ولكنهم متخاصمون طول العام حتى العيد لم يسهم في إرجاع صلة الرحم بينهم، ومثل هولاء الأشخاص لا يستغلون تلك الأيام المباركة على الوجه الصحيح .
نيل العفو
وتؤكد نجلاء عثمان ـ طالبة ـ أن الأجواء الطيبة التي تسود صباح يوم العيد ببهجتها وسرورها من شأنها غسل وإزالة كافة الأحقاد والخلافات والرواسب مهما طال زمنها وعمرها، سواء بين الإخوان أو الأقارب والجيران عبر تبادل التهانئ والتبريكات بل نجد أن هناك من يبكون عند صباح العيد وهم يتبادلون التهانئ. ولذلك العيد هو الفرصة الوحيدة واللحظات القادرة على غسل النفوس، لذا نجد أن الكثيرين يحرصون على تبادل الزيارات لنيل العفو والعافية.
يصعب التسامح
وتنفي رباب حسين إمكانية غسل العيد كل الأحقاد والضغائن، وتقول: هنالك أشياء تظل عالقة في النفوس، تشكل رواسب قاسية لا يمكن نسيانها بسهولة فقد يأتي عيد وآخر وثالث دون أن يحرك في دواخلهم ساكناً، ربما يعود لذلك للدم الأفريقي (القلب الحار) الأمر الذي يطفو على كل المعايير الإسلامية والأخلاقية، فقد يشب الأبناء طبق الأصل لأجيال سبقتهم، وأذكر أن خال والدي والذي توفي عن عمر يناهز 130عاماً كان مراراً ما يحكي لنا قصة خصامه لجدي من والدي بسبب عدم حضوره مراسم ختان ابنه البكر والذي يكبر والدي بخمسة عشر عاماً، وقد طال خصامهم سنين طويلة، وبرغم عودة العلاقات بينهم إلا أن جدي كان يذكر دائماً أسباب خصامهم متناسياً لحظات عودة علاقتهم .
قول وفعل
ويقول أحمد عثمان ـ موظف ـ إن الخصام من أصعب وأقسى الأشياء على النفس البشرية، فالشخص الذي يتعود على الخصام يصعب عليه المسامحة، والنساء من أكثر الفئات لجوءاً إلى الخصام وعدم تناسي الضغائن. فالملاحظ أن الذين يتبادلون التسامح متى ما كانت أقوالاً لا تدعمها السلوكيات، وكلمات لا تبرهن عليها الأفعال، كان التسامح ضربًا من ضروب الكذب والدجل اللفظي، فالتهانئ التي يتبادلها الناس في العيد تفتح الأبواب لغسل النفس لمن يرغب، وهناك من ينتظرون تلك الأيام بفارغ الصبر لغسل نفوسهم .
رأي الشرع
مولانا محمد كباشي، تناول القضية من زاوية الشرع موضحاً بأنه من المقاصد العظيمة التي شرعت لأجلها الأعياد في الإسلام تعميق التلاحم بين أفراد الأمة وتوثيق الرابطة الإيمانية، وترسيخ الأخوة الدينية بين المسلمين، فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يجعل التسامح سمته البارزة ويعطي كل ذي حق حقه، وهو دين التسامح، والمعروف أن الأعياد فرصة سانحة لنيل العفو وتناسي الضغائن والأحقاد لقوله تعالى ﴿وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
ويؤكد مولانا أن التعاليم الإسلامية ووصاياه تأمرنا بأن نجعل يوم العيد يوماً للتراحم والتزاور ويوماً للتسامح والمحبة والعفو ويوماً للتوافق الاجتماعي وإعادة العلاقات الفاترة بيننا، وتجاوز حالة التقاطع والقطيعة والهجران، وحالة الشقاق والخلاف، لذلك فلنستغل أيام العيد لطي صفحات الماضي وتمزيق فاتورة الخلافات في بناء النسيج الاجتماعي والتسامح الإنساني.