لجان المقاومة.. دولة مدنية أو نموت جميعاً!!!
الخرطوم: فرح أمبدة 19فبراير2022م
= أهدافنا واضحة لا لبس فيها .. إقامة دولة مدنية ديمقراطية تتمتع بالحرية والسلام والعدالة
= مشروعنا للحل السياسي يبدأ بـ “إجلاء المجلس الانقلابي عن الساحة السياسية تغيير قياداته التزام المؤسسة العسكرية بالجانب الأمني والدفاعي حكومة مدنية خالصة”
= ميثاق “لجان الجزيرة” الدعوة الى تغيير جذري وبلورة رؤية سياسية وطنية موحدة حول طبيعة الدولة والحكم والاقتصاد وتداول السلطة
لا يختلف اثنان في أن لجان المقاومة التي غلب عليها العنصر الشبابي، لعبت الدور الأكثر حيويةً في الثورة السودانية، وكانوا “الأيقونات” التي أبهرت العالم وسوقت شعار “حرية.. سلام وعدالة”، مثلما كانوا الثمن الأغلى الذي دفع مهراً للدولة المدنية المنشودة ولا يزال.
وظلوا منذ ما قبل سقوط نظام الإنقاذ محافظين على موقفهم المحايد، بعيدين عن كل انتماء حزبي أو سياسي، لكن عينهم لا تغمض عن هدفها الأسمى “مدنية الدولة”.
محاولات الشيطنة
ظهرت اللجان في وقت مبكر من بداية الثورة، وهناك من يرجع البداية الى الانتفاضة الاولى في العام 2013، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، ظل جسدهم قادراً على استيعاب كل محاولة لشيطنتهم، مع الأيام أضحت لجان المقاومة دينمو الحراك الثوري، خاصة بعد الانشقاق الذي حدث وسط تجمُّع المهنيين، ومثلما أرغمت المليونية، التي ظلّت تنظمها اللجان، المكون العسكري على الدخول في شراكة مع المدنيين في السّابق، أجهضت في الوقت الحالي كل الخطط التي وُضعت من قبله لتجاوز الأزمة آخرها الاتفاق مع حمدوك والذي لم يصمد أكثر من أسابيع.
ميثاقٌ سياسيٌّ
لم تكتف لجان المقاومة، بتنظيم الاحتجاجات فقط، بل ظلّت تتقدم برؤاها وأفكارها وتلعب ادواراً، كما هناك أدوار مماثلة لبقية الأطراف الثورية ليس فقط للحفاظ على الروح الثورية والمُقاومة، بل بطرح مشاريع للحل السياسي، ومثلما تقدمت فيما مضى بمقترح لتجاوز عقبة تكوين المجلس التشريعي بإجراء انتخابات في المحليات لتصعيد الأعضاء، أعلنت في اليومين الماضيين عن نيّتها طرح “ميثاق سياسي” سيتم طرحه على القوى الثورية، ليكون بمثابة برنامج عمل لما تبقى من الفترة الانتقالية، وبوصلة للمسار الديمقراطي، يحتوي على رؤية لقيادة البلاد مع الشركاء المؤمنين بالتحول الديمقراطي، ويقولون إنّهم سيواصلون جهودهم في عملية انتقال مستقبلية لإعادة بناء الحكومة المحلية ومراقبة التقدم الديمقراطي، “لأول مرة ، يمكن للأشخاص الذين لم يشاركوا في السياسة أن يشاركوا رؤيتهم لكيفية إدارة البلاد”، هكذا وصف أحد شباب المقاومة رؤيتهم، ومع طرحهم الجديد، تظل اللجان ملتزمة بهيكليتها القديمة التي تعتمد على القيادة المتحركة حتى يصعب على قوات الأمن استهدافها.
رؤية جديدة
ومثلما دفعت، الأحداث التي جرت في السودان منذ سقوط نظام حكم البشير، “لجان المقاومة” إلى الخطوط الأمامية في النضال ضد الحكم العسكري، فعلت وبقوة الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش في 25 اكتوبر من العام المنصرم أو “الانقلاب” كما يسمونه، ومع استمرار المواجهة مع قوات الأمن، والتي خلفت من بينهم حتى الآن أكثر من 80 قتيلاً على الأقل، تجتهد لجان المقاومة حاليا لصياغة ميثاق سياسي ، للرد على من يصفونه بأنهم شباب مندفعون وراء الآخرين، ومنذ بروز لجان المقاومة الى قلب الساحة، دائماً ما ينظر الى هؤلاء الشباب بأنهم “بدون” أي لا ينتمون لوجود سياسي يمكنهم في النهاية من تحقيق أهدافهم في إقامة دولة مدنية تتمتع بالحرية والسلام والعدالة، ولمواجهة ذلك على ما يبدو، بدأوا في بلورة رؤية سياسية خاصة بهم وهي الآن تنضج على نارٍ هادئة. يقول عصمت المتحدث باسم اللجان في العاصمة الخرطوم لرويتر أمس، إن الميثاق المتوقع في الأيام المقبلة سيحدد المطالب الأساسية ورؤية المستقبل.
ميثاق اللجان
ووفق الناطق الرسمي باسم لجان مقاومة الخرطوم، أحمد عثمان قوله، إن ميثاقاً سياسياً تمّ إعداده من قبل لجان المقاومة شارفت على الانتهاء منه سيتم طرحه على كافة القوى الثورية والأجسام المهنية، والمطلبية الرافضة للانقلاب، بعد أن يتم التوافق عليه من قبل لجان المقاومة على المستوى القومي.
العام المنصرم، وإبان المشاورات التي كان يجريها رئيس الوزراء المستقيل الدكتور عبد الله حمدوك ، طفت على السطح فكرة تكوين كيان سياسي يضم لجان المقاومة، بهدف المشاركة في السلطة تحت مظلته، لكن الانقلاب الذي تم في اكتوبر جب الفكرة، حيث بدأ التركيز على مقاومة ورفض الإجراءات التي اتخذها البرهان، ومن ثم الدخول في مواجهة مفتوحة بتنظيم المليونيات التي شلت حركة البلد، وقد اشتهرت بشعار اللاءات الثلاثة “لا شراكة، لا تفاوض، لا مساومة (مع المكون العسكري) “.
تسويق للأفكار
مثلما تجتهد الكيانات السياسية، لإقحام لجان المقاومة في كل أنشطتها وجهودها السياسية، كذلك تسعى الامم المتحدة عبر ممثلها في السودان، وكذلك المبعوثون الغربيون، وظلت رؤيتهم واحدة، هي الحفاظ على السلمية واستمرار المقاومة حتى إسقاط العسكريين، فقد أبلغ ممثلون عن لجان المقاومة قبل أسبوعين، ممثل الأمين العام للامم المتحدة ورئيس بعثة يونيتامس فولكر بيرتس، بأن لجان المقاومة “ماضية في إسقاط الانقلاب وإبعاد المؤسسة العسكرية عن المشاركة السياسية في الحُكم”.
في هذا الأمر يقول الناطق الرسمي باسم لجان مقاومة الخرطوم، أحمد عثمان، في تصريحات صحفية وبوضوح، إن رؤية لجان المقاومة التي أبلغناها للسيد فولكر، تتمثل في “إجلاء المجلس الانقلابي عن الساحة السياسية، وتغيير قياداته والتزام المؤسسة العسكرية بالجانب الأمني والدفاعي، وأن تكون الحكومة مدنية خالصة”.
مَن مع مَن؟
والواقع يشير الى نقاط التقاء بين الرؤى التي تطرحها لجان المقاومة مع تحالق قوى الحرية والتغيير الشق الذي كان شريكاً للمكون العسكري، قد تصل الى موقع التطابق، لكن ذلك لا يلغي وجود مسافة بينهما بالنظر الى الخلافات التي سادت إبان المشاورات لتشكيل المجلس التشريعي قبل 25 أكتوبر. تقول الصحفية المهتمة بنشاط لجان المقاومة، سلمى عبد العزيز وهي تتحدث معي عن مستقبل لجان المقاومة، اعتقد أنه في الوقت الراهن مستقبل السودان أجمع يدور حول شبابها ، وبالأخص شباب لجان المقاومة الذين استطاعوا خلال سنوات الثورة السودانية وما تلاها من تحديات يعتبر انقلاب الـ25 من اكتوبر آخرها واكثرها ضراوة، استطاعوا اثبات مقدرتهم وفاعليتهم في المشهد، ويبدو أن ذلك يعد سبباً أساسيًا لمحاولة الاحزاب السياسية التي فشلت تماماً في توحيد صفوفها وقيادة الفترة الانتقالية استقطاب أو التخلخل بين صفوف المقاومة.
وتضيف سلمى، هناك حديث كثير دار حول اختراق بعض الأحزاب وعلى رأسها الحزب الشيوعي السوداني وحزب الأمة لبعض الكيانات الثورية بمسميات مختلفة وكذلك لجان المقاومة، إلا أن التجربة والحراك في الشارع يدحض صحة هذه الفرضيات وكذلك عضويات هذه الكيانات الثورية والتي دافعت مرارا وتكرارا عن خلو صفوفها من اي كوادر حزبية، وانا اعتقد انها هزيمة أخرى للاحزاب السياسية في السودان.
مرض تاريخي
لجان المقاومة ومنذ فترة ليست بالقصيرة انخرطت فيما يُعرف بالبناء القاعدي واعداد الميثاق الخاص بها، ومن خلال الاطلاع على بعض من الميثاق الذي أعدته لجان مقاومة ود مدني وهذا برأي سلمى يظهر حالة الوعي والاجتهاد والإصرار الكامل لهذه اللجان لتحقيق أهداف الثورة التي خرجت من اجلها الى الشوارع وقدمت العديد من الشهداء والمصابين والمفقودين، وأعتقد أنها تستقي عزيمتها للمضي قدماً من الثمن الباهظ الذي قدمته.
التحالفات السياسية في السودان وعبر التاريخ، تفقد بريقها وقد تتلاشى بمجرد ان ينشب الخلاف والشقاق بين صفوفها فهل تحالف اللجان الشبابية التي قادت ولا تزال تقود حراك الشارع المقاوم لكل ما من شأنه ان يرتد بالثورة عن اهدافها المعلنة. بعيداً عن ذلك المرض التاريخي في التحالفات السياسية السودانية، تقول سلمى في هذا الخصوص: التحدي الذي يواجه لجان المقاومة الآن هو حماية صفوفها من التشظي العاهة التي ظلت تعاني منها الأحزاب السياسية السودانية، وافراغ تجربتها الماضية على أرض الواقع والمواثيق التي بدأت بإعدادها والاستعداد لمرحلة ما بعد الثورة والهتاف، فضلاً عن الاستفادة من أخطاء المرحلة الانتقالية والنسخة الأولى من الثورة.
تباين طبيعي
في الآونة الاخيرة ظهرت مسميات باسم لجان المقاومة تطرح برامج مختلفة عن التيار العام، كما تختلف في تكتيكاتها في التعامل مع الكتل السياسية المختلفة، البعض يشير بوضوح الى أنها كيانات مصنوعة مكّنت لبروزها بيئة الخلاف والاستقطاب الذي تشهده الساحة، وهناك من يشير الى أنها أسماء لافراد بلا قاعدة. يقول الناشط السياسي، امجد فريد في تصريحات نشرتها صحيفة “الانتباهة”، لجان المقاومة هي احدى إبداعات الشعب السوداني في تنظيم نفسه بشكل قاعدي وهي تشكل اساساً قوياً لتمتين وترسيخ نظم الحكم المحلية التي تمتن عضد النظام الديمقراطي”، بهذا التوصيف فإن التباين وسط لجان المقاومة هو امر طبيعي على اعتبار ان التباين في الآراء بين القوى المدنية هو من طبيعة الاشياء لكونها كيانات قاعدية تضم كافة القوى الاجتماعية والسياسية في احيائها ومناطقها، وكل هذه القوى متفقة بشكل اساسي على رفض الانقلاب والشمولية.
أما فيما يتعلق بالاتهامات بأنها مستقطبة من قبل الأحزاب فهذا لا يعدو ان يكون لغو حديث، هذا الباب مفتوحٌ لمشاركة الجميع وينبغي أن يخاض النقاش حول اتجاهات الرأي العام داخلها بوضوح وشفافية وما يتفق عليه الأعضاء يمثل رأيهم حول ما يجمعهم.
ويتفق معه معتز البرير القيادي البارز في حزب الأمة حينما ينفي محاولة الأحزاب لاستقطاب لجان المقاومة.. يقول هم ابناؤنا.. جزء منا ونحن جزء منهم، والحديث عن محاولة احتوائهم من قبل الأحزاب حديث لا يستحق الرد عليه، لأنهم أبناؤنا وأبناؤنا حزء منهم.
مبادرات أُجهضت
قبل قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر وعندما كان الصراع محتدماً بين العسكريين والمدنيين، رأت لجان المقاومة أن مجرد تكوين المجلس التشريعي الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية ولم يُنفّذ، ربما امتصّ الرغبة الشرسة للعسكريين على تنفيذ ما كانوا يخططون له، بحل الحكومة المدنية والانفراد بالسلطة، في تلك الأجواء طرحت لجان المقاومة على القوى المكونة للحرية والتغيير، مقترحاً بتشكيل مجلس تشريعي، يقوم بتعيينه رئيس الوزراء بالتشاور مع كل القوى الثورية، كان الهدف من المُقترح قطع الطريق أمام الانقلاب الذي كانت تلوح ملامحه في الأفق، ليجهض بالقرارات التي أعلنها قائد الجيش في 25 اكتوبر.
جهدٌ ضائعٌ
وقبل ذلك، تقدمت لجان المقاومة بمقترح لحل مُشكلة تكوين المجلس التشريعي، عندما اقترحت بانتخاب أعضاء المجلس التشريعي من المحليات بدلاً من اختيارهم عبر المُحاصصات، فقد خصّص المجلس المركزي للحرية والتغيير، جلسة لدراسة المقترح، وقد قدم المقترح بعد أن رفضت لجان المقاومة المحاصصة وتوزيع مقاعد البرلمان على الرغم من ان تحديد نصيب لها في المجلس المنتظر تكوينه وقتها.
مع الأمم المتحدة
الشهر الماضي، أطلق المبعوث الأممي، فولكر بيرتس، مشاورات سياسية بين جميع الأطراف في السودان، تهدف إلى التوصل لاتفاق لاستكمال فترة الانتقال، وتقوم فكرتها “بإجراء مشاورات أولية غير مباشرة وفردية، تحدد على ضوئها الدعوة لحوار ينهي الأوضاع المأزومة”.
حتى الآن حُظيت الخطوة بتأييد دولي كبير، وتحفظ من بعض قوى الثورة ورفض من بعضها، وعلى رأس الرافضين تجمع المهنيين. وقابلت لجان المقاومة، مُشاورات فولكر بالإعلان عن ميثاق سياسي يتم طرحه من قبلها على قوى الثورة.
مشروع المستقبل
بعض المراقبين يرون في هذا الميثاق بمثابة “مشروع لجان المقاومة وورقتها التفاوضية” حال دخلت المبادرة الأممية حيِّز التنفيذ وتخطّت مرحلة المُشاورات الأولية، لكونها تدعو لتأسيس منصة واحدة تجمع القوى السياسية الثورية ولجان المقاومة والمهنيين وكل المكونات الشعبية التي تسعى إلى حماية الانتقال والتحوُّل المدني ولتحقيق الدولة المدنية الديمقراطية.
لكن آخرون يشيرون الى رؤية تتعدى المشاورات الاممية الجارية، وقد استندت الى ميثاق تَمّ طرحه من لجان المقاومة في ولاية الجزيرة ووجد قبولاً من رفقائهم في العاصمة، بل وكان السبب في التفكير في وضع ميثاق سياسي باسم كل لجان المقاومة في السودان، وقد حدد ميثاق “لجان الجزيرة” اهدافا تتخطى طبيعة المشاورات الأممية، من بينها، بدء حوار بين القوى الداعية الى تغيير جذري وبلورة رؤية سياسية وطنية موحدة حول طبيعة الدولة والحكم والاقتصاد وتداول السلطة، واستعادة السيادة الوطنية على اعتبار أنها الخطوة الأولى في طريق التحوُّل الديمقراطي والتنمية العادلة، وعرف الثورة بأنها مشروع وطني لتحقيق دولة المواطنة والحقوق المُتساوية دون أي تمييز وغير ذلك من الأهداف.