مكة المكرمة: أبوعبيدة عبد الله
الطريق السريع ما بين جدة ومكة اكتسى ألواناً زاهية مثلت أعلام دول منظمة التعاون الخليجي، والدول العربية، والدول الإسلامية في كل العالم، كناية عن أهمية القمم التي تستضيفها مكة هذه الأيام.
ووصل رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى جدة، لحضور القمة العربية الاستثنائية، والقمة الإسلامية الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي اللتين ستعقدان بمكة المكرمة ممثلاً للسودان.
وكان في استقباله بمطار الملك عبد العزيز الدولي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، والأمين العام المساعد لمنظمة التعاون الإسلامي للشؤون السياسية عبد الله عبد الرحمن عالم، ومعالي أمين محافظة جدة صالح التركي، وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى السودان رئيس بعثة الشرف علي بن حسن جعفر، ومدير شرطة منطقة مكة المكرمة اللواء عيد العتيبي، ومدير عام مكتب المراسم الملكية بمنطقة مكة المكرمة أحمد عبد الله بن ظافر.
وبالتركيز على القمة الإسلامية الـ 14 لمنظمة التعاون الإسلامي، والتي تستضيفها المملكة العربية السعودية في مكة المكرمة، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، فإنها تشهد حضوراً تاريخياً لافتاً بين القمم التي شهدتها المنظمة على مدى تاريخها، والتي أنشئت في 1969م، ويرأس أمانتها حالياً الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين.
أزمات متلاحقة
ومرت قمم منظمة التعاون الإسلامي بفصول وأحداث وأزمات متلاحقة، أبرزها قضية فلسطين التي تم تأسيس المنظمة من أجلها، وكان إعلان مؤتمر القمة الإسلامي الأول بالرباط في المملكة المغربية في 25 سبتمبر 1969، بحضور ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية بصفتهم مراقبين، دليلاً واضحاً على تمسك المسلمين بقضيتهم التاريخية في كل محفل، وصدر عن المؤتمر البيان الختامي وقتها، جاء فيه: إن رؤساء الدول والحكومات والممثلين بعد أن بحثوا العمل الإجرامي المتمثل في إحراق المسجد الأقصى والحالة في الشرق الأوسط يعلنون ما يلي: إن الحادث المؤلم الذي وقع في 21 أغسطس 1969م، والذي سبب الحريق فيه أضراراً فادحة للمسجد الأقصى الشريف، قد أثار أعمق القلق في قلوب أكثر من 600 مليون من المسلمين في سائر أنحاء العالم.
وعقد مؤتمر القمة الإسلامي الثاني في مدينة لاهـور بجمهورية باكستان الإسلامية في الفترة من 22 – 24 فبراير 1974م، وجاء في إعلان لاهور تسجيل التقدير والاعتزاز للتضحيات البطولية التي قدمها الشعب الفلسطيني ودول المواجهة العربية التي تجابه المعتدي الصهيوني.
وإذ يبحث التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط والموقف الخطير الناجم عن استمرار إسرائيل في احتلالها لأراض تابعة لثلاث دول عربية شقيقة أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، واستمرار اغتصاب أراضي فلسطين وتشريد شعبنا، وإذ يعد هذا الموقف انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة وخرقاً لقراراتها وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الأمر الذي يشكل تهديدًا خطيراً للسلام والأمن الدوليين.
القمة الثالثة
وشهدت مكة المكرمة استضافة مؤتمر القمة الإسلامي الثالث في الفترة من 25 – 28 يناير 1981م، حيث قال البيان الصادر عن إعلان مكة في نصه “نجتمع في رحاب هذا البلد الحرام وفي كنف الكعبة المشرفة، مهبط الوحي وقبلة المسلمين، عند مطلع القرن الهجري الجديد في لقاء نعده حدثاً جليلًا في تاريخ الأمة الإسلامية، ونتخذ منه منطلقًا حاسمًا لنهضة إسلامية شاملة تستدعي من المسلمين كافة وقفة حازمة يراجعون فيها رصيدهم الماضي وواقعهم الحاضر، ويتطلعون بالإرادة الوطيدة إلى مستقبل أفضل في ظلال سياسة التضامن الإسلامي، فتعود لصفوفهم وحدتها ولحياتهم رقيها وازدهارها ولمنزلتهم في المجتمع الإنساني شرفها ليؤدوا دورهم في الحضارة الإنسانية”.
الدرع الواقي
وشدد إعلان مكة على أن انتماء المسلمين الصادق إلى الإسلام والتزامهم الحق بمبادئه وقيمه منهجاً للحياة، هو درعهم الواقي من الأخطار المحدقة بهم، وسبيلهم الأمثل إلى تحقيق المنعة والعزة والازدهار، وطريقهم القويم لبناء المستقبل وضمانتهم التي تحفظ للأمة أصالتها وتصونه.
تدعيم العمل
فيما عقد مؤتمر القمة الإسلامي الرابع بمدينة الدار البيضاء في المملكة المغربية في الفترة من 16 إلى 19 يناير 1984م، وافتتح خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله-، كونه رئيس مؤتمر القمة الثالث، بخطاب تناول فيه ما تحقق من أعمال خلال السنوات الماضية الثلاث، وهدفت إلى تدعيم العمل الإسلامي المشترك انطلاقًا من بلاغ مكة التاريخي.
واستضافت الكويت مؤتمر القمة الإسلامي الخامس في الفترة من 26 – 29 يناير1987م، واعتمد مؤتمر القمة قراراً بشأن قضية فلسطين والشرق الأوسط، يؤكد أن فلسطين هي جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، وأن السلام العادل والشامل في المنطقة لا يمكن أن يقوم إلا على أساس انسحاب العدو الصهيوني الكامل، وغير المشروط من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، واستعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة فوق ترابه الوطني.
كما شهدت العاصمة السنغالية دكار استضافة مؤتمر القمة الإسلامية السادس تحت عنوان “دورة القدس الشريف والوئام والوحدة” في 9 ديسمبر 1991م، حيث أكد المؤتمر أن القضية الفلسطينية هي قضية المسلمين الأولى، وهي جوهر النزاع العربي – الإسرائيلي.
وفي 15 ديسمبر 1994م استضافت مدينة الدار البيضاء مؤتمر القمة الإسلامي السابع، وهي القمة التي توافق مرور 25 عاماً على قيام منظمة المؤتمر الإسلامي بعد انعقاد أول مؤتمر قمة إسلامي على أرض المملكة المغربية سنة 1969م، وجاء في بيانها الختامي: إنه انطلاقًا من الالتزام بالعقيدة الإسلامية نصاً وروحًا، والاقتناع الراسخ بما يحض عليه الإسلام في دعوته وتعاليمه من خير للبشرية، وتأكيدًا للعزم الصادق على الوفاء بميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي وتعزيز التضامن بين الدول الأعضاء فيها، وإدراكًا لأهمية ما يجري من تحولات عالمية تقتضي ضرورة تكيف أمتنا مع هذه التحولات مع الحفاظ على خاصيتها الثقافية والحضارية.
وفي الدورة الثامنة لمؤتمر القمة الإسلامي، واستضافتها العاصمة الإيرانية طهران، أكد المؤتمر أن قضية فلسطين والقدس الشريف هي قضية المسلمين الأولى، وأعرب عن تضامنه الكامل مع منظمة التحرير الفلسطينية في نضالها العادل من أجل تحقيق الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على أرض وطنه وعاصمتها القدس الشريف.
القضية الفلسطينة
واستضافت دولة قطر مؤتمر القمة التاسع تحت عنوان “دورة السلام والتنمية” في نوفمبر 2000م، بينما انتقلت الدورة العاشرة لمؤتمر القمة الإسلامي في بوترا جايا بماليزيا، وجاءت تحت عنوان “دورة المعرفة والأخلاق من أجل تقدم الأمة”، وعقدت خلال الفترة من 16 – 17 أكتوبر 2003م، وأكد المؤتمر ضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وضرورة تطبيق جميع القرارات الدولية المتعلقة بقضية فلسطين وقضية الشرق الأوسط.
بينما أقيمت الدورة الـ 11 للمؤتمر في دكار بجمهورية السنغال في 2008م، تلتها قمة القاهرة في جمهورية مصر العربية بالنسخة الـ 12، وتم فيها استعراض الأوضاع في المجالات السیاسیة والاقتصادية والاجتماعية لتحلیل الآثار المترتبة عن ذلك على الأمة الإسلامية تحت شعار “العالم الإسلامي، تحديات جدیدة وفرص متنامیة”.
وفي القمة الـ 13 التي استضافتها مدينة إسطنبول التركية في 2016، شدد المجتمعون على الالتزام بالمبادئ وتعزيز العلاقات بين الدول الأعضاء وعدم التدخل في شؤونها.
وتحظى القمة في دورتها الـ 14 التي تستضيفها المملكة العربية السعودية، بدعم كبير كون المملكة دولة المقر للمنظمة، ونظرًا لما تواجهه الأمة الإسلامية من أحداث ومشكلات تتطلب صياغة التعامل مع القضايا بما ينبغي.
الشعوب الإسلامية تسعى وتتطلع لمواقف من خلال هذه القمة تؤكد وحدة المسلمين وحل خلافاتهم، وتحقيق السلام في كثير من البلدان التي تعاني من مشاكل.