1
كتلة الحرية والتغيير التي هي على مسافة قريبة جداً من تسلم مقاليد الحكم في السودان، ومن ثم تصبح بمثابة (الحزب الحاكم)، وفي خطوة متهورة متسرعة غير محسوبة، خسرت الكتلة مبكراً تحالف الدول الخليجية، سيما دول الإمارات والمملكة السعودية فضلاً عن جمهورية مصر العربية.
2
استعداء مبكر دون مبرر تجاه هذه الدول تم عبر حملات إعلامية ممنهجة باهظة الثمن، بحيث بلغت تلك الحملات درجة تسيير مواكب الحرية والتغيير الاحتجاجية لسفارات هذه الدول بالخرطوم، ويذكر في هذا السياق المسيرات اليسارية المخدومة التي سيرت إلى سفارتي الإمارات ومصر بالخرطوم …
3
والسبب حتى الآن يتمحور حول المعونات السخية التي قدمتها هذه الدول إلى السودان عقب رحيل نظام البشير، بحيث قدمت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة مبلغ ثلاثة مليارات دولار، وفي المقابل قدمت الشقيقة مصر كميات معتبرة من الأدوية التي نحن بحاجة ماسة إليها…
4
وإذا كانت كتلة الحرية والتغيير تعتبر أن هذه الدعومات والخطوات تفتأ تعمل لاستمالة السودان إلى هذا المحور العربي، فيفترض أنها تتمتع بقدر من الكياسة وفنون السياسة، فعلى الأقل كان بالإمكان أن تأخذ بمقولة حكيم الكتلة السيد الصادق المهدي، التي تقول (أكلو توركم وأدوا زولكم)، غير أن السيد المهدي الذي اشتكى مراراً من عمليات اختطاف قرارات الكتلة من قبل اليسار، لم يستشر في كثير من خطوات اليسار الثورية المتسرعة.
5
غير أن أي ثورة ناهضة تحتاج في بداية عهدها إلى دول حاضنة داعمة، سيما في حالة الدولة السودانية التي لم يوصلها إلي هذا الدرك المهين غير فشل الحكومة السابقة في حسن إدارة أمر الاقتصاد، وكان بالإمكان أن تنحني الحركة اليسارية السودانية لتمرير هذه المساعدات وتشكر الأشقاء على هذه الوقفة المشهودة، بل إن ذلك من الخلق السوداني المشهور، ومن ثم هنالك متسع من الوقت، ريثما تتمكن المجموعة من السيطرة على مقاليد الحكم وحسم ملفات الاقتصاد، ومن ثم تعلن عن جهتها الجديدة.
6
يقرأ ذلك مع انهيار كل الدول والأنظمة التي ترعى الأحزاب الشيوعية واليسارية العربية في المنطقة وحول العالم، بحيث لم يعد الدب الروسي بقوة وجبروت الاتحاد السوفيتي الذي كان يرعى القوات الشيوعية الناشئة حول العالم، كما لم يكن حزب البعث العراقي والسوري ولا الحزب الناصري، في وضع يمكنها من الوقوف مع وكلائهم الجدد بالسودان، فيفرض والحال هذه (ألا يبقن علينا اتنين، الجوع وقِصَر النظر!!
7
بحيث ترتب على هذه الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته قوي الحرية والتغيير، بإرسالها رسائل سالبة إلى هذه الدول المؤثرة جداً في المنطقة والعالم، ترتب على ذلك بأن تعمل هذه الدول على تبني أفكار ورؤى المجلس العسكري، وظهر ذلك جلياً من خلال عمليات الاستقبال الباهرة التي قوبل بها قادة المجلس في عواصم هذا الدول، وأكيد أن هنالك أحاديث وتفاهمات تحت الطاولة غير معلنة، بحيث لم تعد هذه الدول متحمسة لتعزيز سلطة هذه الكتلة، وعدم الوقوف معها حال وصولها إلى الحكم..
8
وبالمناسبة، إذا كان اليسار الجديد بعد انهيار النظرية الشيوعية في عقر دارها، إذا كان اليسار يعول على الولايات المتحدة الأمريكية والمجموعة الأوربية، فإن طريق أبوظبي الرياض القاهرة أصبح هو الآخر أقصر الطرق إلى الغرب الرأسمالي، ولا نعرف بعد ذلك على من تعول القوى اليسارية والتي ليس من بين توجهاتها بطبيعة الحال مبدأ (وفي السماء رزقكم وما توعدون).. وهم يومئذ أقرب إلى رؤية لقد أوتيته على علم ومقدرة وثورة من عندي . وليس هذا كل ما هناك.