الخرطوم: رشا التوم 17فبراير2022م
في ظل الضائقة الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد الوطني واستمرار الأزمات المتكررة في السلع والخدمات لاحت بارقة أمل في الأفق الاقتصادي من خلال تقرير رسمي افصح عنه الجهاز المركزي للإحصاء، اعلن فيه مواصلة معدل التضخم التراجع لشهر يناير المنصرم مسجلاً (259.79) مقارنة بمعدل (318.21%) لشهر ديسمبر 2021م بانخفاض قدره 58.42 نقطة.
وعز الجهاز المركزي للاحصاء، الانخفاض لتراجع معدل التضخم لمجموعة الأغذية والمشروبات وانخفاض معدل التضخم في السلع الاستهلاكية والخدمية في جميع الولايات.
وعطفاً على ذلك، فإنه بالنظر الى المستوى العام لأسعار السلع والخدمات وما شهدته من ارتفاع في الاسعار اثر رفع الدعم عن الخبز والوقود والكهرباء، فان هناك جهات عدة شككت في مدى صحة تقارير الاحصاء وانها غير حقيقية ومدعاة للاعلان السياسي فقط.
وفي جانب آخر يرى خبراء في الاقتصاد بأن تلك التقارير حقيقية ولا تحمل اي مجامله او تدليس للحقائق.
ولبيان مدى صحة الامر استطلعت (الصيحة) خبراء في الاقتصاد حول مدى صحة الحديث عن انخفاض التضخم وهل هو حقيقة أم ادعاء.
ويرى الخبير في العمل الضريبي د. عادل عبد المنعم ان التقارير التي تصدر عن الجهاز المركزي للاحصاء حقيقية دون ادنى شك ولكن ظل الجهاز يواجه التشكيك في تقاريره على مدى العقود الماضية وانها تصدر منحازة للنظام الحاكم، وقال من الملاحظات على تلك التقارير انها تعطي وزنا نسبيا لبعض السلع والخدمات، لذا تكون هناك فروقات بين نسبة التضخم والنسبة العامة للتضخم، وحال أخذنا المعيار بسعر السلع التي تباع بالدولار نجد ان التضخم في حدود 100% بالنسبة للدولار وهو مقياس للتضخم ولكن مقوم على الاسعار التبادلية ، وضرب عادل مثالا بأن اسعار الظل للدولار تقدر بأكثر من 1000 جنيه وفي السوق 500 جنيه، واذا اطلعنا على كل الاسعار فهي قريبة من السعر القياسي لأسعار الإحصاء، وتوقع بأن يمضي مؤشر التضخم نحو الانخفاض بما أن موازنة العام 2022م وضعت له تقديرات في حدود 200%، ووصف المؤشرات الاقتصادية الحالية بالجيدة، ولفت الى ان وزير المالية جبريل ابراهيم طبق سياسات وضعت الاقتصاد الوطني في مساره الصحيح، ومن تلك السياسات تحرير سعر الصرف في فبراير العام الماضي والتي عملت على جذب موارد للجهاز المصرفي واحدثت شفافية في الاقتصاد، بالاضافة الى تحرير اسعار الوقود بالسعر العالمي وهي خطوة جيدة في سبيل الإصلاح الاقتصادي، بجانب تحرير سعر الدولار الجمركي بنهاية يونيو الماضي وحسابه بـ375 جنيها بدلاً من 28 جنيهاً، وهذا الامر تسبب في زيادة الإيرادات الضريبية والجمركية بالرغم من خفض الجمارك وإعفاء السلع واغنى الحكومة عن الاستدانة من الجهاز المصرفي بنسبة كبيرة، واردف قائلاً (لولا تلك الإجراءات لانهار الاقتصاد)، ووصفها بالاصلاحات الجريئة رغم الهجوم عليها ولكن وزير المالية تحمل المسؤولية ووضع الاقتصاد في المسار الصحيح.
وفي ذات السياق، وصف الاستاذ الجامعي د. محمد الناير ان انخفاض معدلات التضخم 258% بأنه غير دقيق ومن المفروض ان يكون التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء متماشياً مع الواقع المعاش الآن بصورة أساسية، وقال من الطبيعي ان يعمل الجهاز مسحا شاملا لكل المجموعات السلعية والخدمية التي يستهلكها المواطن تصل ما بين 600 – 700 سلعة وخدمة، بجانب مسح شهري لمعرفة التغيير في اسعار السلع ومن ثم يصدر معدلات التضخم.
وبصورة عامة نجد موسم الشتاء حدث انخفاض لاسعار الخضروات، وهي مسألة موسمية في كل عام وقد تؤثر ايجاباً في انخفاض معدلات التضخم، ولكن للأسف الشديد هناك ارتفاعٌ في كثير من السلع والخدمات الأساسية والتي تشكل وزناً كبيراً في حساب معدلات التضخم، منها على سبيل المثال ارتفاع خدمة الاتصالات والنت، إضافةً الى ذلك ارتفاع أسعار المحروقات والتي بدورها اثرت على اسعار النقل والمواصلات وارتفاع اسعار الكهرباء والسلع الاساسية المرتبطة بالدولة وبعضها يتحكم فيها القطاع الخاص، ولا يعقل ان يكون هناك انخفاض في معدل التضخم في شهر واحد بمثل النسبة المذكورة ويكون الامر طبيعيا ومنطقياً، وأشار الى ارتفاع شمل سلعا اخرى اثر بصورة مباشرة على استهلاك المواطنين، وأعرب عن أمله في إيجاد توضيح من الجهاز المركزي للاحصاء وعدم الاكتفاء بالتقرير الصادر وان يبنى الحقائق للراي العام وتوضيح الاجراءات التي اتخذها وبناءً عليها صدر بان المعدل انخفض، وقال ان الرأي العام لديه الحق في الوصول الى نسبة التضخم المرصودة في الموازنة العامة بنسبة 200%، علماً بأن كل القرارات التي صدرت منذ مطلع العام الحالي قرارات تضخمية قد تؤدي الى ارتفاع معدلات التضخم الى ما يقارب 500%.
ومن ناحيته، اكد الخبير الاقتصادي طارق عوض، أن الزيادات في الأسعار لا تقابلها زيادة في الإنتاج، لذلك هذه الزيادة تمتص دخول ومدخرات الأسر وتؤثر سلباً على موارد البلاد وهذا يحول دون المقدرة على الادخار، بل تؤثر على القدرة للاستثمار لعدم توافر المال من الموارد الخاصة، بجانب انها تؤدي الى أعباء مالية إضافية على ميزانية الأسر خاصةً عندما تكون الدخول اقل من المنصرفات وهنا يحدث ضرر كبير على المواطن، الامر الذي ادى الى عدم مقدرة الدولة على توفير المتطلبات الأساسية من السلع والخدمات، وشدد على أهمية وضع مُعالجات للتضخم وتكاتف الجهود واستشعار حجم مُشكلة البلاد الحالية وتقديم مصلحة الوطن على المصلحة الخاصّة والصبر على السِّياسات الحكومية التي تقود الى بر الامان خلال عامين تقريباً وعليه يجب دعم الاقتصاد بالترشيد وتقليل الطلب غير الضروري، فضلاً عن زيادة الانتاج. ونادى بضرورة إعادة نظام التعاونيات لتكون أذرعاً تنظيمية ومالية واستثمارية تدعم الاقتصاد التعاوني وتخفف من العبء المعيشي المترتب على المواطن جراء الارتفاع العالي في اسعار الخدمات والسلع ومؤشرات التضخم التي تتأرجح بين الارتفاع لمستويات كبيرة.