النذير إبراهيم العاقب يكتب : النيل الأزرق.. مُحاربة خطاب العُنصرية والكراهية
16فبراير2022م
في الحادي والعشرين من ديسمبر الماضي، ولدى مخاطبته مواطني المدينة 9 بمحلية قيسان، دعا حاكم إقليم النيل الأزرق الفريق أحمد العمدة بادى، شعب الإقليم لضرورة العمل على نبذ القبلية حفاظاً على السلام الاجتماعي، ولفت إلى أن النيل الأزرق بمثابة سودان مُصغّر، وقال إن التنوع القبلي الموجود من المُفترض أن يُشكِّل عنصر قوة أكثر من كونه عنصراً أو مصدر ضعف وخلاف بين كافة المكونات القبلية بالإقليم، ودعا شعب النيل الأزرق كافة للعمل من أجل تقوية الجبهة الداخلية والبُعد عن الخلافات وتأجيج النعرات العنصرية، والتي وصفها بأنها أكبر مهدد لتماسُك النسيج الاجتماعي.
بادى بشَّر ببلوغ النيل الأزرق مرحلة متقدمة من النماء والتطوُّر بفضل اتفاقية سلام جوبا والتي بموجبها تم منحه الحكم الذاتي، وأعرب عن أمله في استكمال الترتيبات الأمنية للجيش الشعبي، والتي قال إن من شأنها الإسهام في منع تداول السلاح خارج المنظومة الأمنية، وأشار إلى أن الإقليم موعودٌ بطفرة واسعة في التنمية في كافة المجالات في ظل بُشريات السلام وفق الأولويات.
وتأتي دعوة العُمدة لتقوية الجبهة الداخلية والبُعد عن الخلافات وتأجيج النعرات العُنصرية وإشاعة خطاب الكراهية في وقتها تماماً، حيث برزت هذه الظاهرة في أفق النيل الأزرق بشكل يُنذر حقاً بالخطر، الأمر الذي يوجب على السلطات المختصة في الإقليم التحرُّك العاجل لبترها في مهدها قبل أن يستفحل أمرها.
ولعلّ أقرب تعريف لخطاب الكراهية يُشير إلى أنه (كل قول أو سلوك أو فعل علني يُحرِّض على العنف أو يدفع إلى إثارة الفتنة المجتمعية)، فضلاً عن أنه يأخذ توصيفات عدة يمكن أن نجملها في (العنف اللفظي المُتضمَّن في الخطاب الدوني، والكره البيّن والتعصّب الفكري والتمييز العنصري والتجاوزات التعبيرية القدحية والنظرة الاستعلائية في الخطاب المصحوب بالإقصاء)، وبالتالي، يصبح الحديث عن خطاب الكراهية كظاهرة اجتماعية سياسية مُعقَّدة ومركّبة، تفاقمت بما شكَّل آفة انتشرت مع انتشار الفضاء الإلكتروني الذي خلق حُريّة مطلقة بلا ضوابط أخلاقيّة وقوانين رادعة، وجعل أبواب تلك المواقع تعلو بشكلٍ مُرعب ومهدِّد لتماسك النسيج الاجتماعي.
ولقد شهدت المجتمعات السكانية في النيل الأزرق بالتحديد، وخلال الفترة الماضية، نمو الكراهية وتفشي العُنصرية وبأشكالٍ صادمة، بالتزامُن مع التحوُّلات السياسية الأخيرة في السودان، وبدأت تتّسع أمام مَن يُغذّي الكراهية المُتخمة بالحقد، ما يُشير بشكل مباشر وغير مُباشر لانتشار خطاب الكراهية والعُنصرية، الأمر الذي خلق حالات مُتعدِّدة من الاستقطاب المُضاد، خاصَّة وأن خطاب الكراهية يُعد من أعنف مُستويات التعصب التي تستهدف النسيج المجتمعي من خلال إثارة الفتن ونشر العداوة، الأمر الذي ينعكس سلباً على المجتمع ويصبح ظاهرة اجتماعية وسياسية من شأنها أن تُحدث شرخاً كبيراً في الإقليم، بل وتُساهم في إظهار كراهية بين الفرقاء قد تصل درجة التحريض باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت وسيلة إعلامية متاحة للجميع، لذا تقع على وسائل الإعلام مسؤولية كُبرى في توجيه أو إخماد خطاب الكراهية من خلال ترسيخ وتعزيز قيم التسامُح والتلاحُم ونشر ثقافة المحبة والسلام، والعمل على نبذ الخطاب الباعث للبغضاء والإقصاء والكراهية والمُحرِّض للفتن والقلاقل، وحظر نشر الأخبار والحوادث أو المواد الإعلامية التي من شأنها أن تعمل على التحريض، والعمل على دحر الفكر الإقصائي من أجل تعميق ثقافة الإخوة الإنسانية وترشيد الخطاب الإعلامي وتوجيهه لإرساء دعائم الأمن والسلم الاجتماعيين، وهذا لن يتم دونما محاولة جادة لإيجاد استراتيجية شاملة وموحدة وفاعلة للتصدي للأفكار الهدَّامة للمُجتمع التي ما هي إلا أداة تتحكم بها أفراد ومجموعات تسعى إلى تغذية النعرات العُنصرية من خلال استغلال المنابر التي تدعو لترسيخ مبادئ التفرقة والجهوية، الأمر الذي يحتم ضرورة خلق دور وقائي فاعل لحماية المُجتمع قبل أن تقوم بالعلاج من خلال تشكيل قانون يُكافح ظاهرة التمييز والكراهية، وتطبيقه بما يضمن التعايش السلمي واحترام الأقليات والتنوُّع في المُجتمع الذي يمنع العُنصرية بأشكالها المُختلفة ومظاهرها المتنوعة، ويعمل على منع أي مساس بالوحدة الوطنية وبثوابت الهوية الوطنية، ولتجسيد المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الدولة والتي تلزم الدول بضرورة إصدار قوانين للعقاب على خطاب الكراهية وذلك في إطار تجسيد حقوق الانسان، لا سيَّما وأن قانون الوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتها يعتبر سنداً تشريعياً قوياً للتصدي لهذه الظاهرة التي أخذت أبعادًا مقلقة، وبالتالي فإن سن مثل هذا القانون يعتبر أحد أبرز المكاسب التي يجب أن تجتهد السلطات المختصة في تحقيقها في ظل تفشي هذه الظاهرة الخطيرة بالسودان عامة وإقليم النيل الأزرق خاصة، لا سيَّما من بعض مِمَّن يعتبرون أنفسهم قادة مجتمع، والذين حوّلوا بعض منصات التواصل الاجتماعي إلى فضاءات لنشر خطابات مسيئة لأسس ومقومات الوحدة الوطنية والانسجام المجتمعي، وطفحوا في بث مضامين وخطابات الكراهية والازدراء والنعوت المُشينة تجاه فئات من المجتمع، وذلك لاعتبارات جهوية وإثنية ودينية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هذا يوجب الأمر عقد مؤتمر جامع لمحاربة العُنصرية والكراهية بالإقليم.
الأمر الذي يُحتِّم على سُلطات إقليم النيل الأزرق العمل الجاد والعاجل لأجل إصدار مثل هذا القانون، لسد الباب في وجه أولئك الذين يَستغلون حرية وسلمية الحِراك برفع شعارات تهدد الانسجام الإثني والقبلي والوطني بالنيل الأزرق، والتأكيد في ذات الوقت على أن الجميع مطالبون بالتقيد بالدستور وقوانين الجمهورية، لا سيَّما فيما يتعلّق باحترام ثوابت الأمة وقيمها، والمكونات الأساسية للهوية الوطنية والوحدة الوطنية ورموز الدولة والشعب، على أن يتضمن هذا القانون جملة من العقوبات والتدابير الوقائية لتحصين المجتمع وإنشاء مرصد وطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتها، الأمر الذي وبلا شك سيكون له الأثر المباشر في الحد من تفشي مختلف ظواهر وأشكال التمييز وخطاب الكراهية في الإقليم، وسيكون له دور كبير في أخلقة الحياة العامة والحد من جرائم الكراهية والتمييز التي بدأت تشرئب بأعناقها عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، وأن يكون كذلك سنداً تشريعياً للتصدي لهذه الظاهرة التي من شأنها أن تأخذ أبعاداً خطيرة ومن شأنها تهديد الوحدة الوطنية وانسجام المجتمع مستقبلاً.
وعلى المختصين بالأمر، ضرورة وضع نص بائن في القانون الذي ندعو لتشكيله، أو يُعِّرف التمييز العُنصري بأنه (كل سلوك يقوم على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني أو اللغة أو الانتماء الجغرافي، وعلى أن العناصر المكونة لتجريم خطاب الكراهية تتعلق بجميع أشكال التعبير التي تنشر التمييز أو تحرض عليه أو تشجعه أو تبرره، أو تلك التي تعبر عن الاحتقار أو الإذلال أو العداوة أو الكراهية أو العنف، وأن يضع عقوبات يصل أقلها إلى 10 سنوات سجناً ضد مرتكبي هذا النوع من الجرائم التي باتت تهدد الاستقرار الوطني ككل).