. سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع
16فبراير2022م
مجلة الصبيان .. فكرة ضد الغياب والنسيان!!
(1)
تظل مجلة الصبيان، فكرة إبداعية حاضرة لا يطالها النسيان رغم تقادم السنين .. فهي شكلت أجيالاً وكانت لهم بمثابة منارة ثقافية بما كانت تحوي من مواضيع تربوية كثيفة القيمة وضعها أساتذة أجلاء أسّسوا للفكر التربوي بطرائق جديدة وغير مُعتادة، لذلك ظلت مجلة الصبيان في مقدمة الذهن لا يطالها غبار النسيان .. ومن المهم أن نقول إن “مكتب النشر” الذي تأسس عام 1946 ليقوم بإصدار مجلة الصبيان بنفس العام في معهد التربية بخت الرضا بولاية النيل الأبيض والذي كان يتبع لوزارة التربية والتعليم. فكرة إصدار المجلة تعود للأستاذ عوض ساتي وكان يسهم فيها بباب العم سرور، ومن تلك الأبواب في تلك المرحلة الباكرة من تاريخ المجلة.. من أشهر أبواب المجلة هو باب عمك تنقو وهي قصة مرحة هادفة تدور حول شخصية “تنقو”. وسبب التسمية يعود للأستاذ عثمان محمد أحمد تنقو، أشهر من رسم عمك تنقو هو شرحبيل أحمد وهو الذي غيّر شكل العم “تنقو” إلى شكل وجهه أقرب لشكل “قرد الطلح” حتى يصبح جاذباً للأطفال مُثيراً للضحك. وبدأ يرسم فيها بصورته الحالية منذ العام 1960 وحتى العام 1995 (توقّفت عن الصدور).
(2)
يحكي الأستاذ محمد أحمد تنقو من أسرة تنقو الشهيرة بمدينة الجنينة، أنّ الأستاذ عوض ساتي صاحب فكرة دار النشر التربوي ومجلة (الصبيان) كان في زيارة لبخت الرضا سنة 1946م برفقة أسرة تحرير مجلة (الصبيان) الرسام إسماعيل ود الشيخ والمحررين بشير محمد سعيد وجمال محمد أحمد.. وكنا نلعب كرة القدم يومذاك وكان التلاميذ ينادونني أجري يا تنقو.. ألعب يا تنقو فالتقط عوض الاسم وزيّن به مجلة (الصبيان) في صفحة عمك تنقو.. فاستفاد من الاسم وابتكر الشخصية التي ظلّت راسخة في الوجدان الشعبي السوداني.
(3)
يعتبر الأستاذ عوض ساتي من الرعيل الأول للحركة التعليمية والتربوية والوطنية في السودان، ولد بمدينة الدويم بالنيل الأبيض في العام 1910م، ودرس في كلية غردون والتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت متخصصاً في الرياضيات والفلك.. وعمل أستاذاً بكلية غردون وسكرتيراً لمؤتمر الخريجين.. أسّس عوض ساتي مكتب النشر التربوي وابتكر فكرة مجلة (الصبيان) وأصدرها من ذات الدار كأول مجلة للأطفال في الوطن العربي سنة 1946م.
(4)
يقول الراحل د. إبراهيم دقش، دار النشر التربوي كانت بمثابة مركز للإشعاع الثقافي التربوي، فكانت تصدر مع الصبيان مجلة (الكبار) وتصدر كتباً ثقافية في المدارس شهرياً.. وكانت تطبع امتحانات السودان بدار النشر وفق ضوابط صارمة وتفتش العمال الخارجين تفتيشاً دقيقاً عند خروجهم.. ويروي أن في عامي 70 – 1971م تسرّب الامتحان، وبعد التحري الدقيق اكتشف أن أحد العمال قد كتب الامتحان في جلابيته..!!
(5)
في ذلك الزمن البعيد كانت مجلة الصبيان تضم العديد من الأسماء التي كان لها إسهامها الكبير في الإبداع السوداني، حيث كانت تضم الشاعر رضا محمد عثمان (والد المسرحي والدرامي الراحل – ياسر رضا – والصحفي الكبير إبراهيم عبد القيوم والأستاذ الكاتب حسن حمدنا الله، كما كان يكتب فيها الرسام السوداني العالمي إبراهيم الصلحي الذي كان يرسل صفحته للأستاذ سعد قسم الله الذي كان مسؤولاً من إعداد الصفحات).
(6)
كان الشاعر سعد قسم التحق بمكتب النشر لرسومات الأطفال، كما تخصّص في الطباعة التي تلقى دراسات فيها بمطابع محرم بالإسكندرية، ولذلك تخصّص في إعداد وطباعة الكتب والمجلات، ويقول الصحفي الراحل عوض محمد أحمد المتخصص في مجال الفنون (كان مكتب النشر محطته الأولى، حيث كان يعد الكتب والرسومات فنياً لمجلة الصبيان، وكانت من أزهر فترات حياته، حيث تعلّق بهذه المجلة، فأحبها بشكل جُنُوني، وكان يعتبر مجلتي “الصبيان والكبار” هما حياته، حيث قضى بمكتب النشر منذ العام 1953- 1980م، وفي عام 48 – 1949م فاز بجائزة مسابقة الأنشودة لصفحة الطفل وكان صغيراً، وتلقّى مبلغ “5” جنيهات من طرف الأستاذ محمد الأمين غبشاوي مسؤول مكتب النشر آنذاك).
(7)
في 1964 تأسّست نواة لمطبعة مكتب النشر، فتحوّل إليها الشاعر سعد قسم الله باعتباره يعشق هدير الماكينات ورائحة الأحبار، ولكن لم ينقطع عن إعداد رُسُومات الصبيان، وفي تلك الفترة جاء الفنان شرحبيل أحمد لمكتب النشر، حيث تم تحويله للمعهد الفني لتحسين رسوماته التي لم تكن ترقى للنشر، حيث كان وقتها شرحبيل أحمد في بداياته كفنان مُغنٍ ورسام. وكان شرحبيل وقتها يزور مكتب النشر حيث مجلة الصبيان ويقوم ببعض المهام، وبعد التخرج عمل فيها وطوّر في شخصية عمك تنقو على أسس شبيهة بوالت ديزني وميكي ماوس، ودخل شرحبيل مرحلة التشكيل وساهم في وضع كثير من الخرط والصور بالمناهج التعليمية في كل المراحل ومجلات خاصة بتعليم الكبار والهدهد والباحث الصغير وبخت الرضا ورسالة معلم وهي مجلات تعليمية اختفت كلها للأسف