أكثر الناس تفاؤلًا لم يكن يتوقع قبل الحادي عشر من أبريل المنصرم .. أن يتحول الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، إلى بطل قومي تمشي بسيرته الركبان .. وتتغنى باسمه الحسان .. ذلك أن الصورة الذهنية للثوار لم تكن لتتجاوز أن حميدتي وقوته تنحصر مهمتهم في حماية النظام .. ضمن مهام أخرى لم تكن تعني الثوار كثيراً .. لعله ولسبب من هذا لم يكن القائد حميدتي يخفي ضيقه من نظرة .. ناس الخرطوم .. القاصرة في نظره .. له ولقواته!
فقبل هذه التطوّرات الدراماتيكية بأسابيع محدودة .. كان الفريق آنذاك حميدتي يستقبل بمقر إقامته جنوبي الخرطوم .. زوّاراً ذوي طبيعة خاصة .. كانت مهمتهم .. وبطلب من القائد لا بمبادرة منهم .. أن يناقشوا معه .. أو أمامه .. هذا الموضوع تحديداً .. ولم يخفِ الرجل ضيقه وهو يحدّث ضيوفه ويبتدر .. الونسة .. معهم ..من أن يتساءل أمامهم .. لماذا هذا الظلم لقوات الدعم السريع.. ؟ ولماذا لا يرى الناس في هذه القوة غير قوات مقاتلة مهنتها الحروب ..؟ حتى في هذا . لماذا لا يرى الناس ما يقدمه الدعم السريع من تأمين للبلاد والعباد..؟ ولماذا لا يرون كل ما تقوم به هذه القوة من عمل تنموي وإنساني.. ؟ لا في دارفور معقلها .. بل في الكثير من أرجاء الوطن..؟ كانت هذه ملاحظاته التي يطلب من ضيوفه أن يناقشوها .. وبطلب بل وبإصرار منه أيضًا .. جرى ذلك النقاش كما أفاد مشاركون فيه .. شفافاً وصريحًا وحادًا أحياناً .. وكان القائد في جلسته تلك .. لا ينفعل ولا يغضب .. بل يكتب كل نقطة قيلت بدقة على مذكرة يحرص أن تظل بين يديه دائمًا .. ولم يكن يمل أو يتحرّج من العودة إلى هذه النقطة أو تلك مستوضحًا .. ثم يرسل مزيدًا من الأسئلة .. التي تضفي مزيدًا من الصراحة والشفافية .. يستكثر من النقد .. ويستنصر بالنصائح .. وكان من أهم ما قيل له .. إنه إن كان أهل الخرطوم يجهلون كثيرًا مما يفعله الدعم السريع من عمل إيجابي بعيدًا عنهم .. فإنهم يرون قليلًا مما يفعله بعض الدعم السريع من عمل سلبي أمامهم .. وقالوا له مثلًا .. أن مفرزة عسكرية تسير بسرعتها القصوى داخل المدينة ..هو بلا شك مظهر يروع ولا يطمئن .. ثم يودع القائد ضيوفه بوعد منه أن يراجع كل شيء .. لكسب ثقة الناس ..!
ثم .. وفجأة تجري مياه كثيرة تحت الجسور .. وتحمل ضمن ما تحمل قلادات النصر للقائد .. وشارات البطولة والفروسية لجنوده ..أليس الفارس هو الذي يحمي داره وعشيرته .؟ فكيف لا وقد كان العنوان العريض يوم ١١أبريل .. هو أن قائد الدعم السريع قد انحاز بقواته إلى الثورة .. لا لشيء إلا لحقن الدماء وحماية الشعب وتأمين البلاد .. ثم سطع نجم القائد بعد أن أصبح الفريق أول والرجل الثاني في الدولة .. وهو يرسل كلمات التطمين والبشريات .. لناس الخرطوم .. وعبرهم لكل ناس السودان .. ثم وهو يقفز من غصن لغصن على شجرة الثورة .. يعطي هنا ويغدق هناك .. وأهل البندر الذين لا يعرفون إلا العمل عبر المؤسسات .. يغضون الطرف .. تقديرًا لتقاليد البادية وكرم العربان .. الذي يعطي دون حدود ولا قيود .. وفي كل ذلك يتطلع الناس للفراغ من ماراثون التفاوض الذي سيحيل كل الأمور إلى مساراتها .. ولكن تطاول أمد التفاوض .. ثم التعقيدات التي تعتور المشهد هنا وهناك .. ثم أولئك الذين لن يسعدهم بلوغ أبطال المارثون مقاصدهم .. كل ذلك يضع القائد وجنوده أمام اختبار .. ما تمنى أحد أن يكون .. ولنتجاوز كل التصعيد السياسي الذى برز في خطاب القائد وبعض أركان حربه .. ولكن ما وقع في بنك السودان من بعض جنوده .. يظل عصيًا على الاستيعاب .. ولو أن أولئك الجنود قد استخدموا القوة لنصرة مواطن .. أو حتى لنصرة الدولة .. لكان ذلك مفهومًا ولظل محل جدل يتفق معه الناس ويختلفون ..أما أن تستخدم قوة ما .. مجرد الأوامر العسكرية .. انتصارًا للذات .. فهذا ما يجعل الموقف مفتوحًا على كل الاحتمالات .. ويعيد طرح ذات السؤال القديم أمام القائد .. لماذا يظلم ناس الخرطوم قواته..؟!