14فبراير2022م
الحلقة الثانية
مشكلة الحدود بين سلطنة دارفور وسلطنة وداي
إنّ قضية الحدود بين دارفور ووداي، قد تسببت في كل المشاكل ذات الطبيعة السياسية التي وقعت بين السلطنتين في كل فترات التاريخ تقريباً. فقد أوردت المخابرات السودانية على لسان السلطان علي دينار ما يُفيد بأنّ الحدود بين دارفور ووداي، ودار الداجو (دار سلا)، هي جبل “حريز” الذي منح بواسطة جده السلطان محمد الفضل 1800 – 1838م إلى سلطان الداجو، وأن نفوذه العسكري قد وصل حتى دار تامة، ودار قمر، ودار مساليت، ودار كوبي، وأن هذه الخمسة دِيارٌ تتبع إدارياً إلي دافور. وانطلاقاً من هذه الحقائق التاريخية فقد أثارت مشكلة الحدود بين دارفور ووداي حول تبعية هذه الديار، الرأي العام العالمي، الأمر الذي حمل السُّلطات الاستعمارية الإنجليزية والفرنسية، إلى السعي لحسم الأمر كليّة بواسطة الإعلان الذي تم توقيعه في لندن بتاريخ 12/3/1899م، بين اللورد سالسبري عن الجانب الإنجليزي، ومونز قامبون عن الجانب الفرنسي. ذلك الإعلان الذي قضى بأن ترسم الحدود بين دارفور ووداي، على اعتبار أن وداي قد كانت إحدى محافظات دارفور منذ عام 1882م. وأن الحدود – موضوع الخلاف بين السلطنتين – يجب أن تمتد إلى الغرب من خطي طول 21º و23º شرقاً، مع ضرورة التوضيح بأن محافظة دارفور في العام 1882م قد كانت تتكوّن من ثلاثة دِيار: هي دار تامة، ودار مساليت، ودار قمر، والتي كانت في ذلك الوقت ولايات شبه مستقلة. وظلت تشِّكل منطقة صراع مستمر بين دارفور ووداي، مما اضطر هذه الولايات إلى تشكيل تحالف فيما بينها، تم بموجبه تحديد الجهة التي تطلب منها الحماية عند الضرورة. خاصةً وأن ذات البروتوكول قد أوضح بأنّ دارفور قد أخضعت بواسطة الحكومة المصرية عام 1874م، بعد هزيمة السلطان إبراهيم محمد حسين في منواشي، وتم تعيين الزبير باشا رحمة حاكماً على دارفور حتى تاريخ مُغادرته إلى مصر.
ولحسم الخلاف حول الحدود بين دارفور ووداي، كان لا بد من حسم قضية تبعية دار تامة ودار مساليت ودار قمر. فهناك أدلة دامغة بشأن تبعية هذه الديار لدارفور وليس لوداي. ومن تلك الأدلة المُقابلة التي أجراها مدير مكتب المخابرات بالقاهرة مع الزبير باشا رحمة في أغسطس 1910م. والتي نفهم من خلالها أنّ الزبير باشا هو الذي فتح دارفور، بل وهو أول حاكم لها منذ 1874م. وإنه قام بإدارة هذه الدِّيار الثلاثة وزارها بنفسه، ولديه معرفة جيدة بالحدود الفاصلة بين دارفور ووداي التي قام باحتلالها وإخضاعها أيضاً. وثمة دليل آخر يدعم هذا الاتجاه وهو أنّ سلاطين باشا مفتش عموم السودان والحاكم العام على دارفور منذ 1879 – 1883م ، قد ذكر حديثاً في لندن بتاريخ 1899م عندما وضعت الحدود بين اللورد سالسبري ومونز قامبون ، ذكر فيه أن دار تامة، ودار قمر ، ودار مساليت ، قد كانت تدار بواسطته ، بصفته الحاكم العام لدارفور، مضافاً إليها مديرية كلكل التي كانت رئاستها في كبكابية، بالإضافة إلى وجود الحاميات والجنود المصريين في “نيرا وبرك” والتي كان بها اليوزباشي علي تاجل Tagil. وعندما أصبح علي دينار سلطاناً على دارفور في العام 1898م، فقد درج على إرسال بعض الجيوش إلى دار مساليت ودار تامة لإظهار نفوذه عليها.
وعلى الجملة، فإن الحدود الغربية قد حددت بصورة مُؤقّتة عن طريق وضع أكوام من الحجارة عرفت بالترجة. وهذه الحدود قد أسهمت في توجيه الأنظار إلى أن وداي تتبع إلى دارفور في ذلك الوقت، خاصة وأنها – أي وداي – قد كانت تدفع الجزية للسلطان محمد الفضل 1800 – 1838م. هذا بالإضافة إلى أن هناك اتفاقاً كان قد وقع بين السلطان بارود سلطان دار تامة وسلطان وداي، يؤكد بأن الترجة تعتبر الحد أو المَعلم البارز للحدود الغربية لدارفور، والتي تم توضيحها على الخريطة العامة للسودان المصري الإنجليزي والتي رسمت بمقياس 1:4000.000. وعليه، فإنّ خط تقسيم المياه الذي يفصل بينهما، هو وادي كجا الذي يجري من جهة الشمال الشرقي إلى جهة الجنوب الغربي، حتى يدخل دار السلامات، ووادي أزونقا الذي يظهر من خلال الخريطة الفرنسية لدار تامة. وعند ملتقى هذه الأودية تجري الترجة باتجاه ناحية الشمال لتكوِّن جزءاً من الحدود الغربية لدار مساليت، وتستمر في السير غرباً حتى وادي أزونقا، وزغاوة كوبي، التي تمثل نقطة الحدود الشمالية الغربية لدارفور. أما الحدود الجنوبية والتي تفصل دار تامة عن دار مساليت، فهي وادي كجا (الخريطة الفرنسية)، والحدود الشمالية هي وادي سابو على نفس الخريطة. أما حدود دار مساليت فقد كانت على النحو التالي: من الشمال إلى الجنوب تحد بوادي كجا، ومن الجنوب إلى الشرق بوادي أزوم، وتحد من الغرب بدار الداجو، وإن الفاصل الطبيعي بينهما عبارة عن تلال وجزء من الترجة. في حين تقع دار قمر إلى الشرق من دار تامة ودار مساليت. ومن المشاكل التي واجهت سلطان دارفور الجديد على دينار 1898 – 1916م، مشكلة الحدود بين دارفور ووداي أولاً، وإعلان مارس 1899م بين بريطانيا وفرنسا بشأن توضيح نفوذ كل منهما في خط تقسيم المياه بين النيل والكنغو ثانياً. فقد أشارت الفقرة الثانية من البروتوكول والتي تقرأ: “…إن الحد يجب أن يمتد كأقصى حد له حتى خط العرض 15º شمالاً، بشكل يجعله يفصل من ناحية عامة، مملكة وداي عن مملكة دارفور منذ إنشائها كمحافظة عام 1882م. ولكن يجب مراعاة أنه في حالة الترسيم مرور الحد إلى ما وراء خط طول 21º غرباً، وخط طول 23º شرقاً…”.
أما الفقرة الرابعة من البروتوكول، فتتعلّق بتعيين المديرين والحكام المنوط بهم الإشراف على ترسيم الحدود، وفقاً للنقطة المحددة التي وضّحتها الفقرة الثانية من الإعلان، ووضع علامات الحدود، لأنه ربما دعت الضرورة إلى إعادة ترسيمها مستقبلاً. كما أجيز الاستدلال بتلك العلامات بين خطي 21º و23º من خطوط الطول وفقاً لحدود محافظة دارفور للعام 1882م … . يتبع