14فبراير2022م
لعل في الإعادة إفادة
مؤذنو السودان.. ضرورة دراسة المقامات الموسيقية
(1)
لست في مقام التذكير بأهمية شعيرة الصلاة.. فهي معلومةٌ بالضرورة ولا تحتاج للتأكيد على أهميتها كركيزة أساسية في حياة أي مسلم.. وطالما أنها ذات أهمية قصوى من المُفترض أن تكون المناداة لها بذات قدرها وقيمتها.. فمن ينادي للصلاة من المُفترض أن يمتلك صوتاً ندياً وسليماً ومعافىً من كل العيوب الأدائية التي تُتيح له النداء بصورة فيها قدر من البراعة والجمال.. ففي حقيقة الأمر أنّ مُعظم مساجدنا تهمل جانب الصوت الندي والجميل الذي يفترض توافره عند أي مؤذن يصدح بالأذان .. ولكن الواقع يقول غير ذلك تماماً، حيث نجد أنّ بعض المؤذنين أصواتهم طاردة ولا ترقى للنداء لشعيرة أساسية كالصلاة.
(2)
بتقديري اتفقت كل الروايات على أن من يقف خلف الميكروفون من المُفترض أن يكون صاحب صوت جميل وجاذب .. وهنا لا يفترض المؤهل الأكاديمي .. وذلك تأكيداً لموقف نبينا الكريم حينما أبعد الصحابي عبد الله بن زيد لصالح بلال بن رباح وقد اتخذه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مؤذنًا لما شُرع الأذان، فكان بلال أول من أذن، وهو أحد ثلاثة مؤذنين للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مع أبي محذورة الجمحي وعمرو بن أم مكتوم، فكان إذا غاب بلال أذّن أبو محذورة، وإذا غاب أبو محذورة أذّن عمرو بن أم مكتوم. ويوم فتح مكة، أمر النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بلالاً بأن يعتلي الكعبة، ويؤذّن فوقها، ففعل.
(3)
وما كان ذلك ليكون لولا جمال صوته الذي كان يتّصف بميزات جمالية نادرة تمثلت في كونه يمتلك صوتاً رخيماً وقوياً وممتلئاً بالوقار والكبرياء.. وبعيد جداً عن الصوت الناشز وهو الصوت الجارح للأذن والذي يتقاطع مع الذوق ويبعث في النفس الاشمئزاز والنفور ويتحرك بعيداً عن الحبال الصوتية والوترية كان بلال بن رباح صاحب صوت جهور يتّسم بالوضوح في مداخل الكلمات ومخارجها ويتسم بالصفاء والنقاء وخالٍ من العيوب الأدائية الصوتية.
(4)
توقفت في نموذج بلال بن رباح للتأكيد على أهمية دور المؤذن الذي يفترض فيه قدرات محددة أهمها توافر الصوت الندي الذي يمتاز بالجماليات والقدرة على التنغيم والتطريب .. وتوافر تلك الشروط والمطلوبات هو مسؤولية وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.
(5)
نقترح ان يتم تعليم المؤذنين وتمكينهم من التعريف بالمقامات الموسيقية.. وأهمها مقام (السيكاه) وهو من المقامات العامة في الموسيقى العربية ويرتكز عليه الكثير من الموروث العربي والموسيقي.. وكل ذلك يعني بالضرورة دراسة (السلم الخماسي) الذي تتميّز به الموسيقى السودانية تحديداً ويعبر عن هويتنا الثقافية فيما يخص التركيبة النغمية.
(6)
صحيحٌ إننا لا ندعو لتوحيد صوت الأذان وبرمجته عبر أجهزة رقمية فذلك يقتل الإحساس والتجديد والتنويع.. ولكن هذا لا يمنع من وضع اشتراطات صارمة تجعل من المؤذن في السودان صاحب صوت يمتاز بالطلاوة والنداوة والجمال مع توفير كورسات تأهيلية للمؤذنين من قبل أقسام الصوت في كلياتنا الجامعية مثل كليات الموسيقى والدراما.. فعن طريقهم يمكننا بناء جيل جديد ومختلف من المؤذنين .. فهذا الأمر يحتاج أيضاً لثورة وبعث مفاهيم جديدة حتى تتكئ الأجيال القادمة على ذاكرة معرفية ذات ثراء وتنوع.