بعد اعتقال قيادات إزالة التمكين التدخُّلات الخارجية.. هل تجاوزت الشارة الحمراء؟
تقرير: نجدة بشارة 13 فبراير 2022م
أبدت دول الترويكا (النرويج, المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية) بجانب كل من كندا وسويسرا والاتحاد الأوروبي, قلقها حيال عمليات الاعتقال التي طالت وزيراً سابقاً وعضواً بارزاً في لجنة تفكيك التمكين, اللذين ايضا من قيادات تحالف قوى الحرية والتغيير. واعتبر البيان المشترك عملية الاعتقال جزءاً من “نمط حديث” من الاعتقالات والاحتجاز لنشطاء المجتمع المدني والصحفيين والعاملين في المجال الإنساني التي حدثت في جميع أنحاء السودان خلال الأسابيع الماضية. وأضاف “إننا نُدين هذه المضايقات والترهيب من جانب السلطات السودانية. وهذا يتعارض كلياً مع التزامهم المُعلن بالمشاركة البنّاءة في عملية مُيسّرة لحل الأزمة السياسية في السودان للعودة إلى الانتقال الديمقراطي”.
تمدُّدٌ ناعمٌ
ورفضت الخارجية السودانية في بيان لها, تغريدات منفردة لسفراء غربيين في الخرطوم انتقدوا فيها هذه الاعتقالات, وعدّتها مفتقرة للحصافة واللياقة الدبلوماسية بينما شجبت الخارجية ما عدته “تدخُّلاً سافراً لدبلوماسيين أجانب في الشؤون الداخلية، ومنافياً للأعراف والممارسات الدبلوماسية”.
في ذات النسق, لفت مراقبون انه خلال الفترة الاخيرة اصبح هنالك تدخلات كثيفة ومستمرة من قبل الدول الأجنبية في الشأن الداخلي، واعتبروا هذه التدخلات تمثل خطرا لتمدد ناعم واستعمارا دبلوماسيا.
وكان سفراء كل من النرويج وبريطانيا والقائم بأعمال السفارة الأمريكية لدى الخرطوم انتقدوا بشدة اعتقال قيادات لجنة التمكين, وحذّروا من تأثيرات الخطوة على مبادرة الأمم المتحدة الرامية لخفض التوتر بين الفرقاء السودانيين وإيجاد مَخرج للأزمة السياسية المستفحلة, وأوضح بيان الخارجية أن أوامر القبض طالت المواطنين بناءً على اشتباه جنائي محض “وليس نتيجة تهمة أو دافع سياسي”. وأشارت الى انه كان يتوجب على السفراء المعنيين “الحرص على استقاء المعلومات الدقيقة من المصادر الرسمية”.
وقالت سفيرة النرويج لدى الخرطوم تريزا لوكن, إن الاعتقالات التي طالت السياسيين والمدنيين تشكك في حُسن النية والالتزام تجاه مبادرة الأمم المتحدة. فيما انتقد السفير البريطاني جايلز ليفر, حملة التوقيف ضد أعضاء لجنة التمكين, وقال في تغريدة على تويتر, إن الخطوة تتعارض مع الجُهود التي تيسِّرها الأمم المتحدة لحل الأزمة السياسية في السودان وتظهر الافتقار الى حُسن النية. كما قالت القائمة بأعمال السفارة الأمريكية لوسي تاملين إن الاعتقالات تُقوِّض الجهود المبذولة لحل الأزمة السياسية في السودان.
توجيهٌ وتذكيرٌ
وألقت السلطات السودانية القبض على وزير مجلس الوزراء السابق, مقرر لجنة تفكيك التمكين خالد عمر يوسف وأمينها العام الطيب يوسف, بجانب مقرر اللجنة وجدي صالح, استناداً على بلاغ جنائي تحت طائلة خيانة الأمانة, وتقول السلطات إن الاعتقال لم يكن بدافع سياسي, لكنه تم وفق اجراءات قانونية اُتخذت إثر بلاغ جنائي. واُقتيد عدد من أعضاء لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو الى السجن تحت اتّهامات تتّصل بخيانة الأمانة فيما تحدثت تقارير صحفية عن ان المعتقلين قد يواجهون اتهامات اخرى تصل عقوبتها حد الإعدام. ودعا بيان الترويكا والشركاء إلى وضع حدٍّ فوري لهذه الممارسات والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين ظلما.
ضغطٌ دوليٌّ
وبالعودة لتدخل الدول الأجنبية في السودان, نجد ان البلاد ظلت لفترة ليست بالقصيرة تحت الضغط الدولي سياسياً واقتصادياً وأمنياً منذ أيام الرئيس المعزول عمر البشير, حيث لعبت المحاور الإقليمية والمخابرات الدولية الدور الأكبر فيها. ثم جاء التحالف بين المدنيين والعسكريين نتاجاً لوساطات دولية وإقليمية ليحكم الفترة الانتقالية استناداً إلى وثيقة دستورية تم التوافق عليها بين المكونين.
وقس على ذلك ما شهدته الساحة من استقطاب دولي وصراعات للمحاور في عهد حكومتي عبد الله حمدوك الانتقاليتين الأولى والثانية. الذي بدأ فترة حكمه بأن بعث برسالة إلى الأمين العامّ للأمم المتحدة، طلب فيها من مجلس الأمن الدولي إنشاء بعثة سياسية خاصة من الأمم المتحدة تحت الفصل السادس لدعم السلام في السودان. هذه الخطوة اُعتُبرت بمثابة قلب الطاولة على المكون العسكري – الشريك في الحكم – وفق الوثيقة الدستورية الانتقالية.
تَجَاوزٌ للأعراف
ومع ذلك؛ فإن حجم وقوة تأثير اللاعبين الدوليين على أي صراع داخلي يتوقّف على مدى رغبة وحاجة اللاعبين المحليين إلى الدعم والمُساندة الخارجية. وفي الداخل وبصرف النظر عن صحة مواقف البعض من عدمها؛ فإنّ كل الأطراف – على ما يبدو – تستمد قُوتها وثباتها في مواقفها مما تتلقاه من دعم ومُؤازرة قادمة من خارج المشهد السوداني أكثر مما تستمده من داخله، سواء بسبب الدعم المادي او لضعف قوة بعضها الآخر، بالنظر إلى حجم الدور الذي يضطلع به داخل حلبة الصراع.
في الاتجاه, يرى المحلل الاستراتيجي د. عبد الرحمن أبو خريس في حديثه لـ(الصيحة) أن التغريدات الصادرة من بعض السفراء الأجانب يعتبر تجاوزاً للمهام والأعراف الدبلوماسية الدولية، وتجاوز الشارة الحمراء للدولة. وأشار إلى أن هذه التغريدات رغم أنها فردية, لكن تعتبر انتهاكاً لسيادة السودان وتدخلاً في شأنه الداخلي. وقال لا بد ان نشير الى أن هنالك تدخلا خارجياً إيجابياً وآخر سلبياً ، وضرب مثلاً بان يكون التدخل بمخاطبة السلطات مُباشرةً عبر السفراء وطرح المبادرات بدلاً من لهجة الشجب والإدانات التي تطلقها تلك الدول. وحسب أبو خريس يجب على وزارة الخارجية ان تتعامل مع هذه الجهات بحدة أكثر لأن ما يقومون به من تغريدات تمثل مهدداً للأمن السوداني وإشارات سالبة, وشبّه هذه التغريدات بغير المنضبطة وتمثل اتّجاهات مُعادية لسيادة الدولة وعدم احترم للدولة المضيفة!
مسرحٌ للتسابق
يشير الكاتب جمال علي الى ان بوادر الاستقطاب والاستعانة بالأجنبي بدأت منذ المُفاوضات بين العسكريين والمدنيين، التي كانت ترمي إلى اقتسام السلطة عقب سقوط الرئيس البشير. فالمدنيون تمترسوا خلف قوة وزخم الجماهير في الشارع والدعم الخارجي، مما أدى إلى الخروج بالوثيقة الدستورية الانتقالية، التي تجاوزت في بنودها مهام الحكومات الانتقالية, وأعطت الحكومة صلاحيات تقع ضمن مهام الحكومات المُنتخَبة، وقال كادت هذه التجاذبات تُوصِّل الدولة السودانية إلى مرحلة الانهيار بعد انسداد الأُفق السياسي، وانهيار جدار الثقة بين المكونين المدني والعسكري، فكانت قرارات قائد الجيش الفريق البرهان في 25 أكتوبر الماضي.
احتشاد المُبادرات
وفقاً لجمال, فإنّ هذه القرارات عادت بالساحة السودانية لتكون مسرحاً للتسابق الدولي مرة أخرى, بعد الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش، مع اختلاف التفسيرات والتأويلات لما حدث. وتنشط الدوائر العالمية مرة أخرى في تفسيرات نتائج الأحداث بلا وقوف عند مسببات الانهيار الذي انتظم البلاد, ساعية إلى فرض صيغة معينة للحكم باعتبارها هي النموذج للانتقال الديمقراطي. والشيء الذي ادى الى احتشاد المبادرات وتعدد الوساطات والمبعوثين، لحل أزمات صنعتها المصالح الدولية والتقاطعات من أجل الهيمنة والسيطرة على الإقليم، وزاد: إن لم تكُن هنالك إرادة سياسية جادّة للمساعدة على الخروج من أنفاق التوتُّرات الأمنية والخلافات السياسية التي تعيشها المنطقة وتغذيها الدوائر والمصالح للدول الكبرى، فإنّ الأمور ستخرج من السيطرة, وإذا ما خرجت عن السيطرة, فإنّ العواقب لن تقف عند حدود الإقليم.