إحدى قصص العشق الأسطورية السودانية الإنجليزية (1) جريزيلدا.. عاشقة بدرجة بروف!!
أعدّها للنشر: سراج الدين مصطفى 9فبراير2022م
وضعية ومكانة خاصة:
وضعية خاصة كان يجدها البروفيسور الراحل عبد الله الطيب .. فهو يجد تقديراً خاصاً ومكانة رفيعة في وجدانهم .. فهو عندهم من النماذج العلمية الباذخة ويمثل أيقونة ملهمة في مجال التعليم والبحث والتنقيب، ولعل الحديث عنه كقيمة علمية فارعة هو حقٌ مستحقٌ.. فهو إبان حياته قدم كل ما يجعله خالداً ومُخلّداً في قلوب الجميع .. ولعل الجميع يعيش حالة من الشغف في كل ما يخص تفاصيل حياته الخاصة .. ولعل قصة الحب بين وزوجته (جريزيلدا) هي واحدة من القصص الملهمة التي تستحق أن تُروى ويقف عندها الجميع كمثال للتضحية والوفاء .. ولعل الباحث السوداني عثمان الجزولي توقف عندها.
قصة عشق أسطوري:
إحدى قصص العشق الأسطورية السودانية لا تقل عن حكايات ألف ليلة وليلة وتبعياتها من النوادر العاطفية أمثال قيس وليلى روميو وجوليت عنتر وعبلة، وهنا التاريخ يهدينا قصة جديدة للبشرية وللعالم وللتاريخ وللأجيال بطلها عاشق بدرجة (بروف) العلامة والمفكر (عبد الله الطيب) والفاتنة الإنجليزية (جريزيلدا).. فصولها التضحية ودروسها التمسُّك بالاختيار والقرار.. الحسناء التي تخلت عن وطن كامل يعج بالأنوار والازدهار، الهدف فيه واضح والحلم فيه فسيح متوجهة بقلبها إلى بلاد تموت الأزهار من شمسها زادها ودافعها رجل سوداني أمنته على نفسها وأحلامها فخلدت قصتهما في التاريخ السوداني المعاصر.
طالبة الفنون الجميلة:
لم يدر بخلد طالبة الفنون الجميلة بجامعة لندن البريطانية جريزيلدا بأن الأقدار تخفي لها ما يجعلها تترك الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وتهاجر بأمر الحب جنوباً لتستقر في إحدى مستعمرات الإمبراطورية، ولكن العام 1945 كان عاماً فاصلاً في حياتها، بعدما جمعتها الصدفة بوفد سوداني قدم للدراسة بجامعة لندن، وكان من ضمن ذلك الوفد الطالب عبد الله الطيب المنحدر من (التميراب) إحدى القرى الغربية للنيل قبالة مدينة الدامر.
حُب حتى الممات:
تعلق قلب جريزيلدا بالبروفيسور عبد الله الطيب وتوّجا حبهما بالزواج الذي استمرت وشائجه حتى رحيل العلامة الطيب في العام 2003، نعم رحل الطيب عن دنيا الناس، إلا أن جريزيلدا ظلّت هي الزوجة الوفية، حيث عكفت على حفظ وصيانة مُقتنياته الثمينة من الكتب والمراجع التي أفنى عمره قارئاً ومؤلفاً وشارحاً لمَضامينه، فوقفت جريزيلدا بكل صلابة في مواجهة لصوص الكتب على حد قولها واستطاعت خوض معارك قانونية في سبيل استعادة (المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها) أحد أبرز الكنوز العلمية التي ألفها شريك حياتها الراحل، وتضيف: «بعض كتب البروفيسور عبد الله الطيب تعرّضت للسرقة».
تحديد مكان القبر:
وتمضي جريزيلدا التي حددت مكان دفنها بجوار رفيقها الراحل عبد الله الطيب في حديثها عن الحياة السودانية بين الأمس واليوم، وتشير إلى أن الحياة في السودان كانت في الماضي بسيطة وجميلة، إلا أنها لم تسلم من التحولات التي جعلتها غير مفهومة بعض الشيء، وحتى ثقافة السودانيين في الزي شابتها تغييرات بحسب جريزيلدا، وتضيف: «في السابق كان منظر التلاميذ وهم يرتدون الجلباب الأبيض الناصع يمثل قمة الجمال، ولكن بسبب السياسات التعليمية غاب ذلك المنظر، وحتى إجازات المدارس تم تغيير موعدها بشكل غير مدروس لطبيعة المناخ السودان».
بيئة تربوية:
جريزيلدا ولدت في المملكة البريطانية في أسرة تربوية، حيث كان والدها معلماً وكذلك والدتها وكانا يدرسان اللغة الفرنسية، ولكن والدها قبل تقاعده ترك تدريس اللغة الفرنسية ودرس في جامعة لندن من جديد ليدرس فيما بعد الفنون، لذلك فهي نشأت في بيئة تربوية، ومن حيث التوجُّه نحو الفن، فوالدها كان فناناً يأخذ جريزيلدا وإخوتها الى متاحف لندن، فهي منذ البداية نشأت تنشئة تربوية ثقافية، وهي منذ صغرها ألفت الغربة والأوساط الغريبة وهذا ما أهّلها لتعيش في السودان.
في معهد التربية:
عندما كان عمرها 8 سنوات، كانت والدتها ترسلها إلى عائلة فرنسية تمكث معها ثلاثة أشهر لتعلم اللغة واستمرت هكذا الى أن بلغت السادسة عشر من العمر ولذلك تعودت على الغربة وأتقنت اللغة إتقاناً تاماً، مع ذلك درست في معهد التربية الذي ذهب إليه عبد الله الطيب وغيره من السودانيين، وهناك التقت به مع زملائه وتعلّقت به وتعلّق بها وعاشا فترة طيبة وسعيدة الى أن تزوّجا فيما بعد.
في دامر المجذوب:
عندما جاءت الى السودان في أول زيارة لها، ذهب بها بروفيسور عبد الله الى الدامر، حيث أقامت فيها ثلاثة أشهر أتقنت خلالها اللغة العربية ولم تأت الخرطوم الا لماماً عندما جاء عبد الله الطيب ليرى أن الجامعة ستستوعبه عضواً في هيئة التدريس أم لا، لأنه كان قد وجد فرصة في الجامعات البريطانية، وعندما جاء الى كلية الخرطوم الجامعية آنذاك عرض عليه مساعد تدريس فرفض هذه الوظيفة.. تزوّجت جريزيلدا بالبروفيسور عام 1948م وأتيا الى السودان في عام 1950م بعد أن أعدّ الدكتوراة، وبعد أن جاءت الى السودان التحقت بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا وتحصلت على الماجستير من جامعة الخرطوم معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية.