صلاح الدين عووضة يكتب : ما تحبكهاش!!
10فبراير2022م
والعنوان مصري..
أو باللهجة المصرية..
وطبيعي أن يكون كذلك ما دام مسرحه مصر؛ وقائله مصري..
وتحديداً المسرح هذا هو ساحة الحسين..
والقائل إما مجنون… أو محشش… أو مدروش؛ من دراويش الحسين..
ولكن أياً كان فالنتيجة واحدة..
ما فرقتش معاي؛ فقصتي معه أشبه بما في عالم هؤلاء من غرائبيات..
وبدأت ذات ليلة زرت فيها مسجد الحسين..
وفي الساحة العريضة التي يفتح عليها باب المسجد هذا رأيته يهرول نحوي..
لماذا أنا دوناً عن آخرين تعج بهم الساحة هذه؟..
لست أدري؛ وهي ليست (لست أدري) واحدة… وإلا لقلنا محض صدفة..
فقد تكرّرت بتكرار زيارتي المسجد..
وحين بلغني حاد عني فجأةً – وتخطاني – وهو يدمدم (جدو… جدو)..
فالتفت نحوه مسائلاً نفسي في حيرة: أنا؟..
بمعنى هل يعنيني أنا بمفردة جدو هذه؟… إذ إني لم أبلغ مبلغ أن أكون جده..
ولا حتى أباه؛ فقد كان يبدو في الأربعينات من عمره..
فلم أبصر منه سوى ظهره وهو يهرول..
كما لم أبصر آخر غيري يمكن أن يكون هو المقصود بالكلمة هذه..
رغم كثرة الجائلين في الساحة وقتذاك..
وانشغل عقلي حيناً بالمهرول هذا – ومفردته – ثم انصرف لمشاغل أخرى..
وبعد أيام كنت في ساحة الحسين نفسها..
وكان هناك – في مصادفة يصعب تصديقها – المهرول نفسه..
بل وكانت هنالك الهرولة نفسها تجاهي..
وجه الاختلاف الوحيد من بين أوجه التطابق العجيب هذا كان في المفردة..
فهذه المرة كانت (ابني… ابني)..
فكيف أكون جده قبل أيام؟… واليوم ابنه؟..
ثم غبت عن الحسين لنحو أسبوع… قبل الزيارة الثالثة..
وكانت في انتظاري مفردة ثالثة هذه المرة؛ بعد أن وجدت المهرول بانتظاري..
أو أنا الذي أكون في انتظاره؛ وأجيئه على قدر..
فمصادفات مثل هذه قل أن يُوجد مثيلٌ لها في دنيا الناس..
وبعد أن هرول نحوي – حاد عني كعادته – مغمغماً (أبويا… أبويا)..
يعني في عدة أيام أنا جده… فابنه… فأبوه..
ولكني لم أدعه يفلت مني هذه المرة؛ فقد كنت أريد أن أعرف أصل الحكاية..
حكايته هو… وحكايتي معه… وحكاية مفرداته هذه معي..
فهرولت صوبه؛ حتى إذا بلغته جذبته من جلبابه… فجذبته جاذبية الأرض..
فقد (تكوَّم) أمامي وهو يبحلق في وجهي بذهول..
وصرخت فيه (ايه قصتك معاي؟… وايه حكاية جدي وابني وأبويا دي؟)..
فتبسم بادئ الأمر وهو لم يزل على الأرض..
ثم انتفض واقفاً وهو يقول ضاحكاً (يا عمِّ خليها على الله؛ متحبكهاش)..
فخليتها على الله؛ ولم أحبكها..
علماً بأنه أضاف هنا مفردة رابعة وهي (عم)..
منذ ذياك الزمان وحتى زماننا هذا لم أحبكها؛ وتحديداً حتى الأمس منه..
وخليت الحكاية كلها على الله..
حكايتي مع رجل الحسين الغريب هذا؛ مجنوناً كان… أم محششاً… أم مجذوباً..
فقد جذبتني مهاتفة عصر البارحة..
جذبت سمعي… وذهني… وقلبي… وأعصابي؛ وكادت تجذبني من جلبابي..
ثم صرخ صاحبها في كل أولئك..
صرخ غاضباً… وعاتباً… ولائماً… وحتى شاتماً..
ومن بين زمجرات هذه العاصفة الكلامية استطعت أن أتبيّن نذراً يسيراً..
ولكنه كان كافياً كي أعلم مصدر هبوب هذه العاصفة..
مصدر (الضغط المرتفع) لها..
فهو يحملني ما هو بمثابة شرف لا أدعيه… وتهمة لا أنكرها..
يحملني جانباً – كبيراً – من الذي حصل..
من الذي حاق بحمدوك… وحكومته… وحاضنته..
ثم تهيئة الأجواء لما وصفه بانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي..
فقاطعته قائلاً: يا ابني……
فقاطعني هو قبل أن أكمل كلامي مزئراً: أنا مش ابنك… أنا كبير..
فقلت: فليكن؛ ابني… جدي… أبي… عمي..
ثم قاطعني ثانيةً قبل إتمام ردي متسائلاً: وكيف الحل الآن من هذه الورطة..
فسألته بدوري متعجباً: أي ورطة؟..
فمضى سريعاً قائلاً: ورطة الوضع الحاصل؛ والذي أنتم السبب فيه..
فأدركت حينها أنّ النقاش غير ذي جدوى..
فختمت المهاتفة بحكمة مهرول ساحة الحسين ذاك: يا عمِّ خليها على الله..
مَا تحبكهاش!!.