تعرّض للاعتقالات والفصل عن العمل في مختلف العهود الكاريكاتير ست السوداني عز الدين عثمان.. ريشة أقوى من القلم!!
تقرير: سراج الدين مصطفى 7فبراير2022م
تعريف الفنون البصرية:
من تعريف الفنون البصرية أو الفنون الجميلة على أنها تلك الأشكال الفنية التي تعتمد على إبراز الجانب الجمالي من خلال الملاحظة البصرية، ويندرج تحت مفهوم الفنون البصرية، العديد من الفنون، كفن التصوير الفوتوغرافي، وفن النحت، والتصميم الغرافيكي، وإنتاج الأفلام، وتصميم الأزياء، والأعمال اليدوية، والفنون التشكيلية على اختلاف أنواعها، ويتميّز كل نوع من أنواع الفنون البصرية بوجود عناصر فنية خاصّة يرتكز عليها الفنان في إنتاج العمل الفني لارتباطها بذلك النوع من الأعمال الفنية، وتكون هذه العناصر الفنية بمثابة العلامة البارزة التي يتم من خلالها تصنيف الفنون البصرية المُختلفة.
رمز شامخ:
ولعل الكاريكاتير ست السوداني الراحل من البديهي أن يدخل في تعريف فن الكاريكاتير كرمز شامخ في هذا المجال، ولعل وجود بعض الأمور غير المنطقية فيما أنتج من أعمال الكاريكاتير، كإكساب بعض الصفات البشرية لغير البشر أو العكس، حيث كانت رسوماته تعكس أفكاراً مُبطَّنة يعنيها عز الدين عثمان بكل صراحةً أو تضمينًا، وبالرغم من الهزليَّة العالية التي تحتوي عليها الرسوم الكاريكاتيرية، إلا أنه مبدع ينطوي على درجة عالية من الجديَّة والجرأة في الطرح من أجل تناول بعض المشكلات الاجتماعية أو القضايا السياسية على عكس ما يظنه الكثيرون بأنّ الغرض من هذا الفن البصري الذي قدمه هو التسلية المَحْضة.
سيرته الذاتية:
ولد عز الدين في الخرطوم بأحد احياء العاصمة العتيقة عام 1933 كما يقول الأستاذ إسماعيل آـدم في تقرير له، فهو عمل فترة بعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة بشركة «ميشيل كوتسا» في العاصمة الخرطوم. وظهرت رسوماته التي تتميّز بالسخرية ومصادمة الحكومات لأول مرة في صحيفة «الأخبار» التي كان يملكها الصحفي الراحل رحمي سليمان، ثم انتقل إلى جريدة «الصحافة»، ثم إلى «الرأي العام» إلى أن توقفت في أوائل السبعينات من القرن الماضي نتيجة لقرار من الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري.
الرسومات الأكثر جرأةً:
ويقول إسماعيل آدم (واجه عز الدين، بسبب جرأته في نقد الحكومات، متاعب كثيرة حيث تعرّض للاعتقالات والفصل عن العمل على مختلف العهود التي حكمت السودان. ويعتبر النقاد أن رسوماته في صحيفة «الأيام» التي ظل يعمل فيها طوال عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري، هي الأكثر جرأةً، وهي التي أكسبته الشهرة الواسعة. وكان من أكثر المنتقدين للزعيم السوداني إسماعيل الأزهري الذي رفع علم الاستقلال عام 1956، ورأس حكومتين ديمقراطيتين بالبلاد، في فترة الخمسينات وحتى الستينات من القرن الماضي، غير أن المراقبين كانوا يلاحظون أن الزعيم الراحل الأزهري كان يبدأ قراءة الصحف لمشاهدة كاريكاتير عز الدين، ثم يضحك ملء شدقيه حتى لو كانت السخرية تطاله هو شخصياً، ويتقبّل ذلك في سماحة وأريحية، ثم ينتقل من بعد ذلك لقراءة عسى أن يكون مستحقاً للقراءة فيها.
ريشة أقوى من القلم:
من المتتبعين لسيرة الراحل عز الدين عثمان والمهتمين بأعماله وجمعها، الصحفي محمد حامد الذي قال للحوش الوسيع (قدم عز الدين عثمان في نماذجه أداءً قوياً جعل ريشته فيما أظن أقوى من بعض الأقلام الصحفية.. في زمان لم تكن صناعة النجوم فيه تتم كما الآن بأدوات غير التميُّز والقدرات.. وأما أهم ما لفت نظري في تجربته الجرأة التي لم تفسد علاقة الصحفي المثقف بالسلطة لا من حيث إجراءات أو خصومة فاجرة، رغم أنه تعرّض بقسوة لقامات في زمانها مثل رئيس الوزراء الأزهري والصادق المهدي، بل وكامل المنظومة السياسية والتنفيذية في أواخر الستينيات، تعرض حول بعض رسوماته إلى مقولات دخلت حتى قاموس المقالات الصحفية والليالي السياسية وامتدت لتكون من بعض أمثلة، حديث العوام مثل كاريكاتيراته الشهيرة عقب حل الجمعية التأسيسية أو طرد الحزب الشيوعي لا أذكر؟ وأبو الزهور خرق الدستور.
أشهر أعماله:
ومن أشهر أعماله تلك التي تسخر من الزعيم الأزهري، عندما أقدم على حل الحزب الشيوعي السوداني من داخل البرلمان السوداني في منتصف الستينات.. فقد صوّر زعيم حزب الأمة الصادق المهدي على هيئة مسحراتي يحمل طبلة في ليلة رمضانية وهو ينادي «أبو الزهور خرق الدستور»، في إشارة إلى الأزهري. ومن أعماله التي لا تُنسى، عندما تم اعتماد «منيرة رمضان» كأول امرأة لمنصب حكم كرة قدم بالسودان في منتصف السبعينات. التقط عز الدين بحسه الاجتماعي المُرهف الحادثة لينشر عملاً يصور سيدة سودانية في زي حكم كرة، تضع يديها على خصرها، وهي تُخاطب لاعباً تعمد الخشونة مع آخر، قائلة في نعومة «ضاربو ليه.. يضربك الضريب» وهي شتيمة نسائية سودانية!!
قرار الهجرة:
وفي أوائل الثمانينات، عندما ضاق بقيود النشر في صحف حزب الاتحاد الاشتراكي (حزب نميري)، قرر الاغتراب، فتوجه الى دولة الإمارات ليعمل في صحيفة «البيان» التي تصدر في دبي وعاد الى السودان بعد ان تبيّن له ان مجال النقد هناك أيضاً محدود، فواصل نشر أعماله الفنية في صحيفة «الرأي العام» الى ان أقعده المرض. وتتكوّن اسرة الفنان السوداني الراحل من زوجته سامية محمد الحسن، وثلاثة من الأبناء، وبنتين. ابنه البكر امير متزوج وله طفل. وكان قد تم تكريمه في احتفال كبير مطلع العام الماضي، حضره حشدٌ من السياسيين والصحفيين وكان من بين الحضور الصادق المهدي.