طبقاً للقوانين الدولية واللوائح التي تعتمدها مُنظّمة العمل الدُّوليّة والمُنظّمات الإقليمية في مجال العمل، لا يُوجد إضرابٌ يتزيّأ بزيٍّ سياسي، فالإضرابات للعاملين في كل القطاعات العامّة والخاصّة هي من أجل مَطَالب تتعلّق بحُقُوق العاملين ومُعالجة أوضاعهم والدفاع عنهم، وهو واجبٌ، ودور الهيئات النقابية التي ينتخبها الجمعيات العُمومية مُمثلة العاملين في مرافق ومُؤسّسات العمل، ويجرم القانون المعمول به في البلاد الإضراب السياسي مثل الذي دَعت له قوى الحرية والتغيير وما يُسمى بتجمُّع المهنيين، وهو أكبر أكذوبة وخدعة تمّ إعدادها للتدليس وسرقة تمثيل القطاعات المهنية وهو واجهة سياسية غير شرعية لا تمثل إلا نفسها.
الإضراب المُعلن اليوم وغداً من هذه الكيانات السياسية، يضع أصحابه أمام اختبارٍ حقيقي، أولاً مُخالفة ما دعوا إليه للقوانين المعمول بها حتى اليوم في البلاد، ثمّ إنّه نشاطٌ سياسيٌّ مُجرّدٌ من أيّة حيثيات موضوعية تخص العمل وواجباته ومُقتضياته، وتعلم الجهات التي دعت إليه أنه عرضٌ خارج الحلبة ولا يُفيد كثيراً في أجواء الخلاف السياسي بين دعاة الإضراب والمجلس العسكري، الذي يُمارس سُلطته السِّيادية ويُحافظ على لحمة البلاد من التمزُّق والانقسام الحاد.
لا يُخفى على أحدٍ أنّ العقلية السياسية التي تريد لعب اللعبة الخطرة بالتّضييق على المُواطنين في أيّام الأعياد والضغط على العاملين وتوقيف مرافق الدولة من العمل مثل المُستشفيات والبنوك الكهرباء وإمدادات المياه وبقية الخدمات، هي عقليات مُنغلقة على ذواتها الحزبية الضيِّقة وتعمل على تكريس واقعٍ سياسي سَيرفضه عامة الشعب ويُناهضونه، لأنّه واقعٌ تخريبيٌّ وتدميريٌّ للبلاد وإدخالها بلا طَائل في دوامة الفوضى والانفلات .
الدليل على ما نقول، هو حالة الرفض الطاغية التي عَمّت القُرى والحَضَر لدعوة الإضراب، فقد رفضتها الاتّحادات والنقابات في كل مواقع العمل، وتبرّأ منه كل عاقل ووطني غيُور، وتُحاول ازلام السياسية الرافضة للحكمة والتعقُّل وانتشال الوطن من وهدته، أن تسوق لهذا الإضراب والتكسُّب الحرام منه ووضع ما تربحه في رصيدها السياسي وهو كل عمل لا علاقة له بالقواعد والنظم المهنية ولا يخدم مصالح العاملين، الغَرض منه في نهاية الأمر إحراج السلطات الحكومية والضغط على المُواطنين، فنوايا قوى الحرية والتغيير وما يسمى بتجمُّع المهنيين، أن لا يجد الطفل المريض علاجاً وألا يجد مرضى الكُلى والقلب وتصلُّب الشرايين والحمى والملاريا والالتهابات والعمليات الجراحية، طبيباً أو كادراً طبياً، وأن لا تجد الأُسر قطرة ماء في شبكات المياه ولا كهرباء في حَر الصيف في شهر الصيام، وأن تتوقّف الحياة تماماً وتشل الحركة، فهل هذا هدفٌ سياسيٌّ؟ وهل يخدم ذلك مصلحة الوطن والمُواطن؟ مجال الصراع السِّياسي مفتوحٌ والإقناع فيه بالحجة والحسم بصناديق الاقتراع، أليست هذه العقليات السياسية الطفلة هي الكارثة وسيفنيها العدم الذي جاءت منه؟!.