7فبراير2022م
الحلقة الأخيرة
أما القصة الثانية، فهي موت الأمير الزاكي طمل، الذي كان الخليفة قد وضعه رهن الاعتقال ريثما يدرس الاتهامات الموجهة ضده، غير أن أوامره تلك قد تم تجاوزها وتمت تصفية الزاكي طمل من قبل أعدائه دون علم الخليفة. وعندما علم الخليفة بموت الزاكي طمل بتلك الطريقة البشعة، أمر في الحال بأن يزج بقاضي الإسلام أحمد علي في السجن ، لأنه كان سبباً في ذلك الحبس، على أن يُعامل بالطريقة نفسها حتى يموت وقد كان. أي نزاهة هذه وأي عدالة هذه. والشاهد على ذلك، إن هناك تنافساً وغيرةً بين القاضي أحمد علي والزاكي طمل، عندما اختار الخليفة عبد الله، الزاكي طمل لتولي أمارة القلابات بدلاً من القاضي أحمد علي، الذي كان يتطلّع لذلك المنصب، لأن الخليفة كان قد رأي في الزاكي طمل قائداً مناسباً للقيام بالمهام هناك. الأمر الذي زاد من حنق القاضي أحمد علي، على الزاكي، فنقل للخليفة عن الزاكي طمل الذي اشتهر بقوة الحجة وطلاقة اللسان والفصاحة، عندما قال الزاكي لأحمد علي “بأن القاضي لا ينبغي له أن يمتلك خيلاً، بل عليه أن يركب حماراً فقط”، لأنه رأي مجموعة من الجياد في العاصمة أم درمان، وعندما سأل عنها قيل له بأن صاحبها هو القاضي أحمد علي. فأوغر القاضي أحمد علي، صدر الخليفة عبد الله، بأن الزاكي قد أخذ يجاهر بأنه هو صانع انتصارات الخليفة في الشرق، وإنه جاء للخليفة عبد الله بمغانم كثيرة من الحبشة، من بينها تاج الإمبراطور يوحنا وبغاله. بل وإن الزاكي طمل قد قام ببناء قصر من طابقين، وبدأ في زخرفة جدران القصر، في وقت نهى فيه الخليفة أمراءه عن البذخ في الحياة.. وعندما أمر الخليفة، الزاكي بهدم القصر بحسب معلومات القاضي أحمد علي، فإن الزاكي قد هدم الجزء العلوي منه وأبقى على الجزء الأسفل.
وفي الختام، نرفض الادعاء والقول بأن الصراع بين أبناء غرب السودان وسكان وادي النيل، قد كان سبباً في سقوط الدولة المهدية، خاصةً وأن الصراعات التي شهدها عهد الخليفة عبد الله لم تكن صراعات قبلية أو جهوية أو إثنية، بقدر ما كانت صراعات سياسية، حول النفوذ والسلطة بين المهدية وأمرائها، ولا يخرج عن كونه تنافساً وطموحاً شخصياً من البعض لاحتكار القيادة، مثلما حدث بين الأمير عبد الرحمن النجومي ومحمد الخير عامل المهدية، على بربر ودنقلا. وكلاهما ينتميان لقبيلة واحدة، وينضويان تحت راية الخليفة شريف. فاضطر الخليفة عبد الله إلى التدخل لفض الخلاف بينهما بفصل العمالتين، فجعل على بربر محمد الخير، وعلى دنقلا عبد الرحمن النجومي، بل وقد كان الخليفة يضطر أحياناً إلى التدخل لفض الاشتباك باستدعاء أمير إلى العاصمة أم درمان، حتى يتمكن الآخر من أداء المهمة المُوكلة إليه، كما حدث بين الأمير يونس الدكيم ومحمد عثمان أبو قرجة، عندما استدعى الخليفة عبد الله، يونس الدكيم لتمكين الأمير حمدان أبو عنجة من الإعداد لحملة الحبشة، في حين استدعى الأمير عثمان، أبو قرجة حتى يستطيع الأمير عثمان دقنة شن هجوم كاسح على القوات الإنجليزية المصرية في سواكن.
وبهذه الحكمة والروية وبُعد النظر، استطاع الخليفة عبد الله أن يدير دفة الأمور في الدولة المهدية لمدة أربعة عشر عاماً، وفي ظروف بالغة التعقيد، والتي تمثلت في التدخل الأجنبي الخارجي من قبل انجلترا ومصر من ناحية الشمال، وفرنسا من ناحية الجنوب، والحبشة من جهة الشرق. ومع ذلك، فقد حقق الخليفة نجاحاً ظاهراً تمثل في الحفاظ على حدود الدولة وسيادتها على كامل ترابها. ففي الحبشة، استطاع القضاء على الملك يوحنا في العام 1889م، مُشكِّلاً بذلك نهاية لحكم التيغراي، وأتاح الفرصة لحكم الأمهرا عبر ملكهم منليك. كما تمكّن عبر أحد قواده الأفذاذ عثمان دقنة من تحرير كسلا وسواكن وهندوب واحتلال طوكر في العام 1889م.