صلاح الدين عووضة يكتب : روح القطيع!!
7فبراير2022م
ويسألونك عنها..
عن روح القطيع هذه..
وهو ليس مثل سؤال (ويسألونك عن الروح)..
فالروح الثانية هذه هي روح الإنسان..
وهي (من أمر ربي)؛ أما الأولى فهي من أمر الإنسان… أو الحيوان..
فهما يتشابهان في هذه الروح..
ولاحظ؛ فالملاحظة أساس العلم..
إن جرى كلبٌ خلف هدفٍ متحرك – وهو ينبح – فعلت كلابٌ مثله..
سواءً كان بشرياً – الهدف هذا – أو آلياً..
وكل كلبٍ منها لا يسأل نفسه لم فعل أخوهم ذلك..
بل هو ليس له عقلٌ – أصلاً – كي يجيب عن سؤاله لنفسه هذا..
وكذلك من يلغي عقله من البشر..
وما زلت أذكر ملاحظة قديمة رسخت في ذهني..
فقد كنا مجموعة من أطفال الحي نلهو حين مر بجوارنا طفلٌ من حيٍّ مجاور..
فانطلق أحدنا – كما الصاروخ – نحو الطفل هذا..
ثم انهال عليه ضرباً دون سابق إنذار..
ودون سابق إنذار – كذلك – انهال عليه آخرون منا ضرباً مماثلاً..
وكلهم يصيحون صياحاً جنونياً..
لماذا فعلوا ذلك؟… لا أحد منهم سأل نفسه..
وحتى لو سألها فلن يجد جواباً؛ لا عندها… ولا عند عقله… ولا عند الصاروخ..
وأعني الطفل الأول الذي بادر بالضرب..
فهذه هي روح القطيع..
يتساوى فيها البقر مع البشر؛ وذو العقل مع غير ذي العقل..
ويتساوى فيها الإنس مع النمس..
فالقاسم المشترك (الأبكم) هنا هو بكامة العقول..
فمجموعة من الناس تصير قطيعاً حين تجعل عقولها بكماء..
فلا هي تشير؛ ولا تُشاور..
أما القطيع من الحيوان فهو قطيعٌ بطبعه..
ثم بطبعه – أيضاً – هو أبكم العقل..
فعقل كل فردٍ – أو رأسٍ – فيها يعمل بما يشبه الغريزة..
فإن خاف أحدها من شيء وجرى يجري بقية القطيع وراءه بلا تفكير..
دون أن يعلموا ما الذي أخاف الجاري هذا..
وكذلك الطير؛ فما من طائر له فكرٌ مستقل عن الفكر الجمعي لسربه..
وفي أيامنا هذه نلحظ ظاهرة غريبة..
ظاهرة هي إلى روح القطيع غير – البشري – أقرب؛ أو هي بعينها..
سيما في مواقع التواصل الاجتماعي..
فسوف تجد كلمات – وعبارات – تتكرر على نحو مثيرٍ للملل..
على نحوٍ ببغائي؛ أو ببغاوي..
مفردات من قبيل فلول… أردلة… كوز… غزالة..
وعبارات من قبيل الكوزنة سلوك… الحياة مسغبة… التوم هجو فكرة..
أو عبارة لعق البوت..
وهذه – بالذات – منتشرة الآن انتشار القطيع في ساحات الركض الأعمى..
أو الركض الأبكم؛ كما العقول البكماء..
ثم تبعت الظاهرة هذه – أو صاحبتها – ظاهرة أغرب..
وهي الجنوح إلى العنف اللفظي..
الجنوح إلى الإساءة… والشتائم… والبذاءات… والتجريح..
وباختصار؛ إلى كل ما يفتقر إلى روح الأدب..
وقد يسألونك عن روح الأدب هذه..
فقل إنها التي تميز – من بين ما تميز – بين الإنسان والحيوان عند الأدب..
ونقصد بالأدب هنا ما يُفعل في بيت الأدب..
فإن انتفت – الروح هذه – انتفى الأدب..
وغدا المفتقر إليها كما الحيوان الذي لا يعرف للأدب بيتاً..
ولا للعقل إعمالاً؛ إن كان للآخر هذا عقل..
وتتشابه لديهما روحٌ تجعل كلاً منهما يجري… ويصرخ… ويبرطع… بلا عقل..
روح القطيع!!.