قوى الحرية والتغيير تعرف اصطلاحاً بـ(قحت)، وفي المثل الشعبي الكحة ولا صمة الخشم، ورغم قبح المصطلح بالإشارة لمرض الكحة أو القحة وهي أنواع تبدأ من قحة نزلات البرد وتنتهي عند(الكتكوتة) التي يتم العلاج من آثارها في الطب البديل بشرب لبن الحمير.
وقوى الحرية والتغيير تدخل اليوم في اختبار آخر لمدى قدرتها على استخدام سلاح الإضراب والعصيان المدني وسط قطاعات النخب والطبقة الوسطى، بعد نجاح قوى الحرية والتغيير في تحريك القطاع الطلابي والشبابي وحشده في الشارع، حتى وجدت المؤسسات العسكرية نفسها أمام واقع سياسي دفعهم لإقالة الرئيس السابق، وهذا النجاح هو السبب في اعتراف المجلس العسكري بأحقية (قحت) بامتلاك مجلس الوزراء الانتقالي حصرياً وامتلاك ٦٧% من البرلمان المعين، لتدين لقوى الحرية والتغيير السلطة في البلاد دون شريك لها، حتى العسكر الذين أسقطوا النظام السابق طمعت (قحت) في المجلس السيادي لتسيطر عليه وتقوده بكوادرها وتجعل الموسسات العسكرية خاضعة لها لتفعل بها ما تشاء، وحينما شعر المجلس العسكري بحبل المشنقة يلتف حول عنقه، ثار ورفض أن (يرقد) ليذبح من الوريد إلى الوريد، وإذا نجحت قوى الحرية والتغيير اليوم في حمل الموظفين في القطاعين الخاص والعام على الإضراب العام، وبدت الخرطوم خالية من المارة مثل أيام العطلات، وتوقفت حتى الصحف عن الصدور والقنوات الفضائية عن البث والمصارف عن مزاولة أنشطتها، فإن المجلس العسكري سيجد نفسه في وضع لا يحسد عليه، ومطالب بالاستسلام لـ(قحت) وتنفيذ مطالبها وتسليمها السلطة كاملة، والعودة للثكنات كما يطالب بذلك الحزب الشيوعي في أحاديثه التي تخلو من الاحترام لمؤسسة القوات المسلحة.
أما إذا فشل الإضراب، ونجحت الجهود التي بذلها الفريق محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري في الأيام الماضية في حل مشاكل قطاعات حيوية هامة في الدولة، وأثبتت النقابات العمالية والمهنية التي فك المجلس العسكري قرار تجميدها وردت هذه النقابات التحية للمجلس العسكري، وأثبتت أنها نقابات وطنية وليست مطية للأحزاب، وفشل الإضراب العام، فإن “قحت” عليها قبول الأمر الواقع، وأن تقبل على مراجعات دقيقة لمواقفها وتعود لطاولة المفاوضات مع المجلس العسكري، وهي في موقف الضعيف بعد أن كانت تباهي بقوتها وقدرتها على الإمساك بمفاتيح الشارع .
فشل الإضراب تترتب عليه نتائج سياسية بالغة الأثر على صعيد المجلس العسكري وقحت، وأولى النتائج أن حزب الأمة سيذهب باتجاه مغاير لبعض مكونات قوى الحرية والتغيير، وربما مضى معه بعد فترة قصيرة حزب المؤتمر السوداني والحركات السياسية والعسكرية المنضوية تحت لواء “قحت”.
أما المجلس العسكري، فقد بدأ يلعب (بولتيكا ) كما يقول الراحل فليب غبوش مع جعفر نميري، وحسم المجلس العسكري خياراته من التحالفات والمحاور الإقليمية في المنطقة، وأصبح السودان اليوم في معسكر السعودية ـ الامارات ومصر، وهو المعسكر الذي وقف مع السودان بعد سقوط النظام السابق ودعم الخزانة العامة بالمال والرغيف والجازولين والبنزين، ووقف معسكر إيران ـ تركيا ـ قطر يتفرج على السودان وهو يعاني من شح في ضروريات الحياة.
وكسب المجلس العسكري معركة الحرية والسلام، مما جعل قطاعاً عريضاً من عامة الناس، إذا ما كانت هناك وحدات لقياس الرأي العام، وتم استفتاء بين أن يبقى المجلس العسكري حاكماً طوال الفترة الانتقالية وتشكيل حكومة برؤيته من التكنوقراط، وبين تسليم كامل السلطة لـ (قحت) لاختار الشعب بقاء المجلس العسكري.
اليوم تمتحن أطراف عديدة، وبطبيعة الحال سينجح البعض ويفشل آخرون، فمن يكسب جولة ومعركة الطبقة الوسطى ؟ ومن يخسر ؟ بعد أن اختار الجميع السير على حافة الهاوية.