رسائل وإشارات من زيارة البرهان للفاشر
الفاشر– الصيحة
يرى كثيرون، أن انعقاد الاجتماع الثالث للهيئة العليا للترتيبات الأمنية- مسار دارفور بمدينة الفاشر حاضرة شمال دارفور، له العديد من الدلالات من حيث التوقيت والأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد؛ أولها إشارة إلى استقرار ونجاح اتفاق سلام جوبا، وعزم السلطات على تنفيذ الترتيبات الأمنية التي أخذت جدلاً كثيفاً حول بطء متعمد ومقصود من القوات المسلحة، ليتضح أنها أكثر حرصاً على هذه الترتيبات ولم يعقها سوى الإمكانات المالية في ظل ما تعيشه البلاد من أوضاع اقتصادية معلومة!
كما يمثل الاجتماع دليلاً على التنسيق المشترك ما بين القوات المسلحة وأطراف السلام الذين أصبحوا أكثر ثقةً في المكون العسكري، كما يؤكد أن الترتيبات الأمنية تمضي وفق ما هو مخطط لها دون أي عوائق أو ما أثير حولها من إشاعات بقصد التنقيص والتشويه المتعمد من اتفاق جوبا. وأثبت التزام أطراف العملية السلمية أيضاً بالترتيبات الأمنية وعملية الدمج والتسريح لقواتها، وأنها تمضي في طريقها لتصبح حركات حزبية مدنية وتسعى لتغيير الشذوذ الذي رافق العملية السياسية من خلال امتلاكها لعناصر مسلحة خاصة متعلقة بظروف الكفاح الاستثنائية التي كانت تعيشها في إطار حربها مع نظام الإنقاذ!
إلا أن أكثر ما أشار إليه المراقبون هو تلك الرسائل الخاصة التي بعث بها رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لعدد من الجهات أولها المجتمع الدولي الذي أكد له من خلال خطابه أنهم ملتزمون بمسار الانتقال للتحول الديمقراطي للبلاد، وقطع في رسالته تلك بأنهم مصمّمون على تسليم السلطة في إحدى حالتين؛ الأولى هي لحكومة منتخبة وذلك هو المطلوب من أجل التحول الديمقراطي للبلاد، والثاني لسلطة مدنية انتقالية متوافقة سياسياً، وكأنه يحرض القوى السياسية على التوافق السياسي للعمل معاً من أجل صيانة المسار الانتقالي للبلاد! مشيراً إلى أن القوات المسلحة حاضرة في المشهد السياسي بالبلاد ما لم يتحقق الخياران اللذان طرحهما في خطابه وبعثهما في رسائله للرأي العام المحلي والدولي، في ظل شبه إجماع للمشهد السياسي المحلي على العملية الأممية التي تجري مشاوراتها من أجل الحوار للوصول إلى إجماع وتوافق سياسي لمعالجة الأزمة المستحكمة بالبلاد!
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه ويقع على القوى السياسية عبء الإجابة عليه ما هو الخيار الذي يذهبون لصناعته من أجل معالجة أزمة البلاد في السلطة؟ هل هي الدعوة للذهاب إلى الانتخابات كما أشار الاتحاد الأفريقي؟ أم الوصول لتوافقٍ سياسي عريض يتم من خلاله استكمال هياكل السلطة الانتقالية للعمل معاً من أجل قضايا الانتقال والتحول الديمقراطي المدني للبلاد؟ والعمل لفك الاختناق السياسي الذي سد منافذ تنفّس البلد وحاصرها لدرجة التوقف شبه التام لدولاب الدولة! والانتباه للبناء وحاجات المواطنين وخدماتهم الضرورية التي تضرّرت كثيراً من خلال التصعيد اليومي والتمترس حول المواقف الصفرية!