سياسات الإصلاح الاقتصادي.. محاضن الفقر تكسب مُقيمين جُدداً!!
الخرطوم: جمعة عبد الله 6فبراير2022م
تزايدت مُعدّلات الفقر بصورة باتت ملحوظة خلال السنوات القليلة الماضية، وهي زيادة أرجعها خبراء الاقتصاد لسياسة التحرير الذي تبنته الدولة مؤخراً، ويرى خبراء أنّ الإصلاحات الاقتصادية أثّرت على الطبقة الوسطى، بجانب أنها تواجه ارتفاع تكاليف المعيشة نتيجة للإصلاحات التي تمت، ويقر البعض منهم بأنّ سياسات الإصلاح الاقتصادي الأخيرة تسببت في زيادة الفقر بالبلاد من 40% قبل ثلاث سنوات إلى حوالي 60% بنهاية 2021 وفق تقديرات البنك الدولي.
ويضيف آخرون أن منظمة الفاو انتبهت منذ العام السابق إلى خطورة تأثير التضخُّم الجامح السائد حالياً في توسيع قاعدة الفقراء وربما دخولهم دائرة المجاعة.
فشلٌ حكوميٌّ
المحلل الاقتصادي د. وائل فهمي بدوي، يقول: هناك مقولة مشهورة لنعوم تشوميسكي تفصح على أنه لا يوجد شيءٌ اسمه بلدٌ فقيرٌ، بل يوجد فقط نظام فاشل في إدارة موارد البلد، هذا ما ابتدر به رؤيته، وقال د. وائل إنّ تفاقم الفقر في السودان له ثلاثة عوامل رئيسية، الحروب الأهلية وعدم تحقيق التنمية، وسُوء السياسات الاقتصادية المتبناة لسداد الديون الخارجية أو الحصول على إعفاءاتها، وتابع: كل هذه العوامل مُجتمعةً وما ترتّب عليها تنامي قاعدة الفقر بالبلاد، بما يشير بوضوح إلى سُوء إدارة في توظيف ما أُتيح من موارد للسلام وللتنمية والاستقرار الاقتصادي والسياسي.
منهجية التنمية
وأرجع أنّ إدارة أول حكومة سودانية بعد الاستقلال لاقتصاد السودان، كان ذلك بذات استمرار اتباع نهج الاستعمار في التنمية والاستقرار الاقتصادي، رغم بدء حرب أهلية في جنوب بلد المليون ميل مربع (سابقاً)، وكانت النتيجة عند الاستقلال كما تُفيد بعض المراجع الرسمية، أن حوالي 80% من السكان كانوا خارج دائرة التنمية التي حققها الاستعمار، وبالتالي كانوا محسوبين كفقراء بمعايير التنمية الاقتصادية الاجتماعية الحديثة، وقال مما يعني تلقائياً إنّ 20% فقط من السكان هم فقط كانوا المستفيدين من منهجية التنمية التي حققها الاستعمار آنذاك، وتابع: بغض النظر عن اختلاف مفاهيم الفقر في زمن الاستقلال وحالياً، يبدو أن الدخل كان هو السمة الغالبة وهي مشتركة بين الفترتين، حيث يتّفق الجميع حالياً على أن أكثر من 80% من السُّكّان تحت خط الفقر.
دائرة المَجَاعة
ويضيف د. وائل أنّ منظمة الفاو انتبهت منذ العام السابق إلى خُطُورة تأثير التضخُّم الجامح السائد حالياً في توسيع قاعدة الشعب بالفقراء ودخول الفقراء أصلاً إلى دائرة المجاعة، وقال إذا أضفنا لها عودة انقطاع المعونات الخارجية، حيث قدّرتهم بحوالي 14 مليون نسمة، وأشار إلى سياسات النيوليبرالية التحريرية التضخمية المُجرّبة من خلال رفع الدعم وتخفيضات سعر الصرف المُستمرة والانفتاح على العالم غير المحسوب لصالح الشعب فاقم من أزمة التضخم (ارتفاع الأسعار في كل شيء) بما يترتّب عليه من إعادة توزيع الدخل القومي لصالح الأغنياء وزيادة الفقراء فقراً وفقراء جدد إليهم.
خلل سياسات
ويواصل ذات المحلل الاقتصادي قائلاً (القضية ليست موضوع إمكانَات أو موارد متاحة)، بل أن السودانيين ما زالوا فقراء ويزدادون فقراً في ظل وفرة الموارد الطبيعية، واصفاً، تكمن المشكلة في إدارة الموارد وليس في وفرتها أو ندرتها، منوهاً إلى سيادة ارتفاع الأسعار المستمر رغم ما تحقق من سلام، وقطع حتى في سبعينيات الرئيس جعفر نميري تزايد الفقراء فقراً وانتقال من هم على خط الفقر أو فوقه إلى ما دونه بسبب تلك السياسات الفاشلة في تحقيق كفاءة توظيف الموارد وتوزيعها لمصلحة الغالبية من المواطنين كما تفعل كل الدول المتقدمة وكل الدول الآسيوية على سبيل المثال، ويعتقد أن لم يتم التحرر من السياسات التضخمية المُدمِّرة للاقتصاد ولمعيشة المواطن (دون معونات أجنبية والتي لن تتدفّق للداخل إلا بضمانات تلك الكفاءة في التوظيف والتوزيع للموارد)، فلا يمكن أن نرى أي ضوء أو حلول في آخر النفق مهما ادعى مؤيدو سياسات التحرير غير ذلك، وقال نحن كاقتصاديين نعرف نتائج السياسات من التجارب المكررة لتلك السياسات.
سببٌ رئيسيٌّ
يعتبر الباحث الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي، أن السبب الرئيسي في ارتفاع مُعدّلات الفقر هو تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث أن الدولة أجرت جراحة للاقتصاد السوداني وليس علاج المسكنات في الحلول مع عدم توفير فُرص العَمل، وقال، نتيجة لتلك الإجراءات ارتفعت معدلات التضخم في السودان لمستويات قياسية غير مسبوقة خلال سنوات، ما أدى إلى تآكل قيمة الدخول الحقيقية للمُواطنين، ومضى قائلاً: هذا ما جعل أكثر من 60% من سكان السودان إما فقراء أو أكثر احتياجاً، مشيراً إلى حالة عدم الاستقرار الاقتصادي وانكماش النمو وزيادة عجز المُوازنة وارتفاع نسبة التضخُّم، بجانب انخفاض الاحتياطات الأجنبية.
الغلاء
ويرى أنّ الإصلاحات الاقتصادية أثّرت على الطبقة الوسطى، واصفاً بأنّها تُواجه ارتفاع بعض تكاليف المعيشة نتيجة للإصلاحات الاقتصادية التي تمت، وأوضح أن هذا جعل السودانيين يُعانون في السنوات الأخيرة في ظل غلاء فاحش يشمل جميع السلع والخدمات، ولفت إلى أنه تفاقم بعد تحرير سعر الصرف وما تبعه من برنامج إصلاح اقتصادي قياسي تضمن تقليص الدعم وزيادة في رسوم الخدمات والضرائب والجمارك، وأضاف قائلاً: كل ذلك أدى إلى إجبار السودانيين على إعادة ترتيب أولويات الشراء وما ترتّب عليه من خروج سلع عديدة من موائدهم فى الفترة الأخيرة.
خُطة اقتصادية
ويشير هيثم إلى أنّ هناك أسباباً أخرى متمثلة في انعدام الشفافية والمُساءلة والتفاوت الكبير في مستويات المعيشة بين المناطق المختلفة، وتراجع الاستهلاك الحقيقي، وانخفاض الإنفاق العام على التعليم والصحة، وارتفاع تكلفة المعيشة، مع عدم القُدرة على خلق فرص عمل، واللجوء إلى العمل غير اللائق، فضلاً عن انخفاض المساعدات النقدية المباشرة من الدولة لمستحقي الدعم، وشدد على ضرورة اتّباع خُطة اقتصادية لمُواجهة ارتفاع الفقر تشمل تشجيع الاستثمار، بجانب أن تكون هناك سياسات لتنفيذ مشروعات في القطاعات التعليمية والزراعية والصناعية بالإضافة للاهتمام بالمشاريع مُتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وحثّ على ضرورة الاهتمام بتطوير التعليم بحيث يكون مجانياً بشكل كامل، ووضع منظومة للتأمين الصحي الكامل، خاصةً أن التعليم والصحة يستنزفان من ميزانية الأسرة السودانية الكثير.
خطر المجاعة
ويقول المحلل الاقتصادي د. الفاتح عثمان، إنّ الاقتصاد السوداني ما زال يعاني من عجز كبير في القُدرة على توليد الوظائف لأن السياسات الحكومية تسبّبت في تحويل الاقتصاد السوداني إلى اقتصاد استهلاكي يُحارب الإنتاج والصادر ويُشجِّع الاستهلاك والاستيراد، وأقر بأنّ تلك السياسات تسبّبت في زيادة تدريجية لمعدل الفقر في البلاد من 40% قبل ثلاث سنوات إلى حوالي 60% بنهاية 2021 وفق تقديرات البنك الدولي، وأكد لـ”الصيحة”: هذه النسبة العالية من السكان عاجزة عن شراء الاحتياجات الأساسية من الغذاء، ولذلك هي تعاني من نقص كبير في القدرة للحصول على الغذاء، وبالتالي شريحة كبيرة من السكان مُعرضة لخطر المجاعة أو بالأصح المعاناة من نقص الغذاء وهي حالة يمكن معالجتها عبر تقديم برنامج (ثمرات) وفتح الباب للمنظمات الخيرية العالمية والوطنية لتوزيع الغذاء على هذه الفئة من السكان، لأن الارتفاع المُستمر في أسعار الغذاء الناتج عن التضخُّم العالي جداً الذي يصل إلى 318% يجعل معظم أعضاء تلك الفئة غير قادرين على شراء احتياجاتهم من الغذاء.
استقطاب الشركات
ويرى د. الفاتح أنّ الحكومة مُحتاجة لتبني مجموعة من السياسات التي تنحاز بشكل كلي للإنتاج والصادر وتوجه كل موارد الدولة وعلاقاتها الخارجية لصالح زيادة الإنتاج وتحسين النوعية ولفتح الأسواق الإقليمية والعالمية امام المنتجات السودانية والعمل المستمر لتطوير المنتجات واستقطاب أفضل الشركات من مختلف دول العالم للعمل في السودان خاصة في مجال الزراعة والصناعات التحويلية وإنتاج النفط والغاز والكهرباء.