6فبراير2022م
“الزواج هو المغامرة الوحيدة المُتاحة للجبناء”.. فولتير..!
(1)
أعظم الرجال المستنيرين في السودان قد يعيش هزيمة المثقف أمام سطوة العرف في شأن الزواج، فيتخلى عن أفكاره الإصلاحية ورؤيته العادلة للذات الإنسانية على إطلاقها، ثم يمشي طائعاً مختاراً إلى جذر الجد وأصل “الحبوبة” إذا لزم الأمر. على الرغم من أن الثقافة في معناها هي حزمة من العقائد والمعارف والفنون والأخلاق والقوانين والعادات، وعلى الرغم من أن الريادة في مبناها هي التشريع للآخرين من خلال الشجاعة في تبني المواقف والخيارات، فالمُثقف يعتنق ويَشرَح، بينما الرائد يفعل ويُشرِّع. ولكن باب النسب والمصاهرة في السودان لا يزال هو المدخل الوجودي الوحيد الذي يعبر منه المثقف عارياً عن فكره، مُتجرّداً عن ثقافته. وهذا – بكل أسف – هو جوهر الفرق بين الثقافة والريادة..!
(2)
“الريموت كنترول” ليس جهازاً صغيراً للتحكم – عن بُعد – بعروض القنوات على شاشات التلفزيون فقط، بل “أيقونة” سياسية وترمومتر” حساس، لقياس معدلات الديمقراطية الأسرية خلف الأبواب المغلقة. هل تأخذني على محمل الجد إذا ما قلت لك إن مسألة نجاح أو فشل الحلول الديمقراطية لمشاكل الحياة الزوجية قد تبدو أحياناً رهينة اختبار سياسي لموقف الشريك من ساعات استئثار الآخر بجهاز التحكم عن بعد حين مشاهدة برامج التلفزيون؟. ذلك أن سلوك الشركاء في مؤسسة الزواج لا يتجزأ بل يتلون ويتمرحل بنسب متفاوتة، بدءاً بنوعية الطعام ومستوى نضجه ونكهاته، مروراً ببرامج التلفاز مواقيتها وأنواعها، وانتهاءً بحفنة لا بأس بها من القرارات المصيرية..!
(3)
ترى ما هو رأي نساء السودان – قبل رجاله – في تقاليد بعض المجتمعات الموريتانية التي تستقبل المرأة فيها لحظة النطق بالطلاق بالزغاريد؟. حيث يوم الطلاق عند النساء الموريتانيات هو من مناسبات انتصار المرأة التي تستقبل فيها النسوة المهنئات اللاتي يدخلن عليها بالدفوف وهن يرددن أغان شعبية تحمل مفردات العزاء والمواساة. وهكذا، بينما تشكو الأخريات في بقية المجتمعات العربية النظرة السلبية إلى المطلقة، يعاني المجتمع الموريتاني من ثقافة إظهار الفرح العارم عند حدوث الطـلاق. وهذا الاختلاف والتطرف ينطبق عليه تفسير ابن رجب للجملة النبوية الكريمة “سددوا وقاربوا .. الحديث”. فالتسديد هو القصد والتوسط وعدم التقصير فيما أمرنا به، وعدم احتمال ما لا نطيقه..!
(4)
كيف تكون الرقابة على ميزان العدل في مؤسسة الزواج القائمة على ثلاثة أضلاع؟. وما هي خارطة طريق الوحدة الجاذبة في تلك الشراكة يا ترى؟. كيف نحاسب الحكومة وكيف تطمئن قلوب الرعية إلى عدالة توزيع الحصص في مملكة القوامة والولاية والشراكة في مقام “الواحدية” والتعدد في مقام “التوحد”؟. أعتقد أن الفقهاء – الذين يحلون ضيوفاً على وسائل الإعلام – في بلادنا لم يجيبوا على تلك الأسئلة يوماً بما يكفي من الحياد الجندري المطلوب. فهم كانوا ولا يزالون منشغلين بزجر هواجس المرأة بشأن التعدد وتزيين الفكرة للرجل، بينما الذي يحتاجه هذا المجتمع أدق وأشمل من بيان حكم شرعي بلا تنوير معرفي. أما أئمة المنابر فهم بحاجة إلى تفكيك بعض المسلمات الاجتماعية والأعراف الفاسدة التي لا يتفق معها عقل ولا يوافق عليها دين..!
(5)
إن أحب أحوالنا إلى الله ما كان على وجه السداد والتيسير، دونما تكلف أو اجتهاد أو تعسير، ولعل في الدرس الرباني العظيم المتمثل في زواج سيد الرجال والخلق أجمعين من أرامل ومطلقات كانوا نساء لرجال قبله – ماعدا السيدة عائشة – عبرة لبعض المتنطعين، ومواساة لبعض المستضعفات، وصفعة لغرور بعض سادتنا الرجال، وتفعيلاً لمبدأ التسديد والمقاربة، دونما إفراط أو تفريط..!
munaabuzaid2@gmail.com