بعد الحديث عن تهريب الخام .. القطن.. صراع السِّياسة والاقتصاد
مدير مشروع الجزيرة اهتم بالقضية لكنّه اعتذر عن الحديث
المزروع من القطن مُحوّر وراثياً ولا يُستفاد من بذوره
مزارعون: هناك تَراجُعٌ في أسعار ومساحات القطن
مزارعون: محالج القطن الحالية هي مِلْكٌ للأجانب
خبير زراعي: الحكومة خرجت من إنتاج القطن وما يُزرع غير مُجدٍ
مُختص: سياسة مشروع الجزيرة أفقرت المُزارع
خبير اقتصادي: سياسات البنك الدولي أدّت لخروج السودان من سُوق القطن العالمي
تحقيق- أم بله النور 6فبراير2022م
شهدت وسائل الإعلام خلال الفترة الماضية، تداولاً واسعاً لقضية تهريب خام القطن، وأثارت القضية جدلاً كثيفاً بوسائل التواصل الاجتماعي.
فهل فعلاً تم تهريب خام القطن كما تناولت الوسائط وبأي طريقة، هل على سمع وبصر المسؤولين أم أن للقضية ابعادا أخرى..؟
“الصيحة” بحثت في موضوع تهريب خام القطن وخرجت بنتائج مثيرة:
خارج المنظومة
في بداية حديثنا التقت “الصيحة” بأحد مزارعي مشروع الجزيرة محمد حمزة، الذي أكّد أنه توقف عن زراعة القطن لأكثر من أربع سنوات، نتيجة لعدم وجود التمويل اللازم ولارتفاع تكلفة زراعته وتضارب أسعاره في الأسواق، وأضاف: في السابق كانت الحكومة تمول المزارع في كافة المراحل الزراعية، وتتولى أيضا ًعمليات البيع على ان يتسلم المزارع أرباحه في نهاية الموسم الزراعي، وبعد خروج المشروع دخل المزارعون في شراكة مع شركة الأقطان، إلا أنها لم تفِ بالالتزامات المالية تجاه المزارعين، الذين قال إنّهم تكبّدوا خسائر فادحة ليتوقّف بعدها عشرات المزارعين عن زراعة القطن رغم أهميته اقتصادياً.
زراعة تجارية
وفي حديث آخر قال المزارع إبراهيم، إنّ زراعة القطن الآن ليست في مقدور المزارع البسيط، حيث إن تكلفته عالية جداً، وكل المساحات المزروعة الآن هي تجارية بمجهود ذاتي، ولا يوجد اي تمويل حكومي سواء في الأسمدة او المعدات او التقاوي، فضلاً عن توقف المحالج السودانية والموجودة حالياً هي مِلْكٌ للأجانب.
تراجع مساحة وأسعار
وقال ابراهيم، إن هناك تراجعاً كبيراً في المساحات المزروعة، وتراجعاً في الأسعار، واضاف في حديثه لـ(الصيحة)، بعد ان اعلنت الحكومة السعر التركيزي حدث انخفاضٌ وكان قد وصل سعر القنطار الى 45 الف جنيه، الآن انخفض الى 35 الفاً، وحمّل الحكومة ذلك التراجع، لأنها لا تدخل في عمليات البيع والشراء ولا تترك المزارعين يحددون الأسعار التي تغطي تكاليف الإنتاج. وقال: هناك تحدياتٌ كبيرةٌ تُواجه زراعة القطن أهمها مُشكلة الري، حيث لم تتم صيانة القنوات منذ اكثر من عامين، وهناك ضعفٌ في كمية المياه المناسبة للأراضي الزراعية، وتوقف استيراد الأسمدة، فلا يستطيع المزارع الحصول على السماد بحُر ماله، كما تطرق الى الرسوم التي تفرضها إدارة المشروع على المزارع ، موضحاً ان الإدارة تفرض رسوماً قدرها 3500 جنيه للفدان الواحد دون تقديم خدمات مقابل تلك الرسوم ، وطالب إبراهيم بضرورة إعفاء مدخلات الإنتاج الزراعي من كافة الرسوم الجمركية ، وصيانة قنوات الري وتطهيرها ووضع نظام موحد لبيع القطن ، وتنبأ بخروج 50% من المساحات المزروعة خلال العام القادم في حالة استمرار هذه الإشكالات.
واتفق معه المزارع عبد المنعم محمد عباس فيما سبق من حديث، وأضاف أن استمرار مشروع الجزيرة في ذات السياسة قد تصل المساحة المزروعة الى اقل من 10% من المساحة الكلية الحالية، وقال: الآن لا يوجد تمويل او اشراف او صيانة قنوات، فأصبح عمل الضابط الزراعي عبارة عن تحصيل فقط، فأصبح المزارع الآن مهددا بالسجن نتيجة لفشل الموسم الزراعي.
خروج نهائي
فيما كشف الخبير الزراعي أنس سر الختم، عن خروج السودان من زراعة القطن نهائياً منذ العام 1995م، وقال لـ(الصيحة): في السابق كانت زراعة القطن في مساحة 450 الف فدان والآن المساحة المزروعة لا تتجاوز 50 ألف فدان، وأضاف قائلاً: كانت هناك اعداد كبيرة من المحالج بالنيل الأبيض والنيل الأزرق وسنار والحصاحيصا ومرجان وجميعها توقّفت لضعف الإنتاج ولا يوجد محصولٌ ليتم غزله، وقال: المنتج القليل يحول الآن الى محالج يملكها أجانب، والمساحات المزروعة تتم زراعتها من قِبل المُزارعين المتمكنين.
فوائد معدومة
وحول ما يدور عن تهريب خام القطن، أكد سر الختم أنه ناتجٌ عن فشل السياسيين وعضّد حديثه بأن النوعية المزروعة الآن هي محورة وراثياً وهذا النوع لا توجد به فوائد في بذوره ولا يصلح لاستخدامه في الأعلاف أو الزيوت، كما انها لا تُورث للزراعة مرة أخرى لضعف مقاومتها وإنتاجها، لذلك يمنع استخدامها، وجدّد حديثه بأن القطن المحور وقانون 2005 كانا مسماراً في نعش زراعة القطن في السودان، بالإضافة للزراعة السياسية التي انتهجتها الحكومة على مر العقود الماضية، وكل ما يحدث الآن هو مفاصلة لزراعة السياسة التي افقرت المزارع.
قرارات طائشة
ومن المعروف ان القطن يمثل الركيزة الأساسية للاقتصاد السوداني في خمسينيات القرن الماضي، وقد كان هناك اكتفاءٌ ذاتيٌّ من المنسوجات القطنية، إلا أنه خرج من زراعته واعتبرها الخبير الاقتصادي دكتور عبد الله الرمادي انها من الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات السابقة دون إخضاع الأمر للدراسة المهنية والعلمية، وعرف الاقتصاد السوداني باقتصاد الساق الواحد وكان متخصصاً في إنتاج قطن طويل التيلة ذي الميزات التفضيلية وهو من أغلى أنواع الأقطان التي تنتج في بقية أنحاء العالم، وأضاف الرمادي أن الحكومة دون تأنٍ ودارسة قامت بالتفريط في ذلك المحصول الطبيعي الذي لا تدخل به المخصبات والإنتاج المحور، وذكر ان القطن المزروع حالياً مُشوّهٌ والتفريط فيه جريمةٌ في حق البلاد.
سياساتٌ دوليةٌ
وذكر الرمادي أن سياسَة البنك الدولي تدعو الى خروج الحكومات من قطاع الإنتاج العام وترك المساحة للقطاع الخاص، وهي سياسة لا تتلاءم مع دول العالم الثالث، لذلك ينبغي أن لا نتبع روشتات المنظمات الدولية التي تُفصل حسب ظروف بلدانها مُغفلةً ظروف بلدان العالم الثالث!
مُطالبة مُستمرّة
وقال الرمادي إنه ظل ينادي بضرورة تكوين مجلس أعلى للاقتصاد تجنباً لمنع تنفيذ الخُطط دون أن تُخضع للدراسات العلمية الوافية من قِبل المجلس منعاً للتخبُّط السياسي، الذي أوقف انتاج القطن وإهمال قطاعه، حيث أدى لتدهور الاقتصاد وتدهور خزينة الدولة والعجز في ميزان المدفوعات، وطالب الرمادي بضرورة إغلاق الحدود وتعديل قوانين التهريب بحيث تكون رادعة، كما شدّد على ضرورة العودة لزراعة القطن طويل التيلة الذي يعتمد عليه في الصادر، ويرى أن السودان لديه كافة المقومات الأساسية للإنتاج ولا يمكن الاستغناء عنه وقد خسر السودان مبالغ طائلة جرّاء تلك القرارات التي أخرجته من سوق القطن العالمي.
عدم استجابة
حاولت “الصيحة” استنطاق إدارة مشروع الجزيرة، حيث اتصلت على محافظ المشروع عمر مرزوق، الذي أبدى اهتمامه بالقضية، وقال إنه منخرطٌ في اجتماعات مستمرة مع أعضاء بالمجلس السيادي، على أن يتواصل مع الصحيفة لاحقاً والإجابة على تساؤلاتها، إلا أنه لم يتواصل، كما أن هاتفه ظل لا يستجيب، واتصلت الصحيفة على المدير الزراعي بالمشروع عثمان السماني وأيضاً ظل هاتفه لا يستجيب.