يوسف الموصلي يكتب: إحساسي بالمسؤولية التاريخية هو ما دفعني للكتابة عنها
إنصاف فتحي عصفورة السودان!!
(1)
قد يسأل سائل لماذا يكتب يوسف الموصلي عن هذه (الفنانة).. أقول إن إحساسي بالمسؤولية التاريخية هو ما دفعني للكتابة عنها ليس ذلك فحسب، بل لو قيل لي من تتمنى أن تكون ابنتك من بين الفنانات السودانيات وليس المغنيات السودانيات -لأن هنالك فرق- لما تردّدت في اختيار الفنانة المهندسة إنصاف فتحي خريجة جامعة السودان كلية الهندسة .. حصَلت على درجة الماجستير في إدارة المشاريع الهندسية وتعمل في مجالها الهندسي وتمارس الفن الغنائي ولا توجد هنالك اي صعوبات في توفيقها بين المجالين.
(2)
البداية الفعليه فنياً من دار فرقة الخرطوم جنوب، ومنها انطلقت وشاركت في مهرجان ميلاد الأغنيات في ثلاث نسخ متتالية وشاركت في برامج تلفزيونية متعددة من أمثالها نجوم الغد، تواشيح النهر الخالد، مطر الألوان وبرنامج أغاني وأغاني شاركت ومثلت السودان في عدد من المهرجانات.. هي إنصاف فتحي عبد العزيز الشهيرة بإنصاف فتحي أو كما يحلو لجمهورها بمناداتها (عصفورة السودان) وقد أخذت هذا اللقب عنواناً لمشروعها الفني.
(3)
تقول البروفيسور (ايدل ساندرس) رئيسة قسم السيكولوجي بجامعة نيويورك بأنه ممكن تعلم الأطفال الموسيقى والفيزياء والفلسفة, إلا أنّ الموسيقى تشكل العنصر الأكثر فاعليةً من بين هذه العلوم وبقية الفنون أيضاً كمفتاح لكل المعارف.. والارتباط الوثيق بين الموسيقى والرياضيات ربما قد تكون أتت من خلال عالم الرياضيات الفيلسوف فيثاغورث (٥٦٩ – ٤٧٥ ق م) وكان يُطلق عليه لقب أبو الأرقام وأيضاً أبو الهارموني، وأذكره هنا لأنه صاحب نظرية مجموع المربعات في المثلث القائم الزاوية يساوي مجموع مربعات الضلعين الآخرين وهي من أشهر النظريات الهندسية، كما أنه مكتشف سلسلة الأصوات التوافقية (Overtones).
(4)
أما أنا فعندما أقوم بتأليف أو توزيع عمل موسيقي على النوتة الموسيقية فإنني أنظر الى ذلك الأسكور وتلك النوت فإن رأيت شكلاً هندسياً جميلاً فإن هذا يحدثني بأن العمل سيكون جميلاً بعد التنفيذ.. إذن فإن تهذيب المهندسة انصاف فتحي عبد العزيز نابعٌ من تهذيب الفنانة المبدعة إنصاف فتحي (عصفورة السودان) وكلاهما مُكملٌ للآخر.. التقيتها مراراً بدار الخرطوم جنوب للغناء والموسيقى وشهد لها الكثيرون هناك بالتهذيب وسمو الخُلُق وكنت قد تناقشت معها على “واتس آب” في ضرورة أن تستغل انتشارها بتكوين شخصية الفنانة الجماهيرية وهي تمتلك أدواتها تماماً ولم تتردد في الموافقة، بل أكدت لي أنها بدأت خطتها بالفعل في تنفيذ مشروعها عصفورة السودان.
(5)
تتبعت نضالها السياسي ومشاركتها فعلياً في المواكب منذ بدء ثورة ديسمبر مروراً بالاعتصام وصولاً الى ما بعد انقلاب العسكر، غنّت للشعب ولثورته غناءً يموج بالصدق والإقدام هذا كله معروفٌ ولكن ما جعل أعيني تدمع عندما رأيتها تغني لراحلنا المقيم أستاذ الأجيال بشير عباس قبل رحيله بأيام في موضعين مختلفين (نوّر بيتنا للبلابل) بمسرح دبي ميلينيوم ضمن فعاليات مهرجان إكسبو العالمي في دولة الإمارات و”مازلت عني بعيد” لثنائي النغم في إحدى البروفات التي شرّفها الراحل، وعندما شاهدت تلك القبلة الابوية يضعها الراحل على رأسها، أحسست بأنّ أستاذنا قد وضعها على رؤوسنا جميعاً فغمرتنا بالغبطة والسرور وأحسست بأنّنا المبدعون أكثر الناس حباً للناس.. ألم أقل لكم بأن إنصاف تستحق الإنصاف؟.