4 فبراير 2022م
المجتمع السوداني كان ولا يزال من أكثر المُجتمعات العربية استخداماً للأمثال الشعبية ، منها من أصبح في ذاكرة النسيان، وبعضها مازال حاضراً، ومنها على سبيل المثال المثل الشعبي «اختلط الحابل بالنابل».
في المعارك الحربية في الماضي البعيد كانت توزع المهام على الجند، منهم ما كانت مهمتهم رمي النبال والسهام على العدو، وآخرون مهمتهم إمساك حبال “الخيل” و”الجمال”، وعند اشتداد المعركة والتحام الجيشين المتحاربين وتنازل الفرسان وحين حمى وطيس المعركة وزلزلة الأقدام، وقتها لا يعرف الحابل من النابل أي لا يعرف الجنود رماة السهام من الممسكين بـ”حبال” الخيل والجمال، ومن هنا جاء المثل (اختلط الحابل بالنابل) يُضرب من باب الاستعارة للفوضى واضطراب واختلاط الامور.
أعتقد المتابع للأحداث السياسية هذه الايام يدرك الى اي مدىً استفحال الأزمة السياسية في السودان منذ تقديم دكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء استقالته والى يومنا هذا، ارتفعت وتيرة التراشق وتبادل التهم والانشقاقات داخل لجان المقاومة والتراشق بينها وبين قوى اعلان الحرية والتغيير المجلس المركزي من جهة اخرى، ومن المؤسف أنه منوط بهم التغيير واستقرار الفترة الانتقالية ودعم الحكومة بشقيها المدني والعسكري حتى انتهاء فترة الانتقال وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، أعتقد واحدة من الأسباب القوية للهرج والمرج الذي يحصل الآن هو عدم وجود قيادة واحدة فاعلة مُدركة للمخاطر والتحديات، وقادرة على الإحاطة بالأجسام المهنية والمطلبية والشعبية، لذلك نستطيع القول في حالة استمرار الاختلافات والانشقاقات بين مكونات الحكم تكون بذلك وحدة وأمن واستقرار السودان في خطر كبير، ولا شك أن الأزمة السودانية وصلت ذروتها الآن بعد فشل مجلس السيادة في اختيار رئيس وزراء توافقي وتعيين مجلس وزراء، هذه الأزمة أوقدت نارها التصريحات الحادة “والمشاترة” لقوى اعلان الحرية والتغيير وفقدان الانسجام بين أجسام الحكومة، في تصريح للسيد مجدي تيراب عضو لجان المقاومة وفق صحيفة “الجريدة” قال: (ان يكون النقد الذاتي أهم الشروط لعدم تكرار الأخطاء مستقبلاً، ولفت بأن لجان المقاومة لديها ميثاق سياسي تعمل على إعداده وسيرى النور خلال الفترة المقبلة، واكد انه يتضمّن بنداً حول الذين شاركوا الحكومة الانتقالية السابقة)، وطالب الحرية والتغيير بأن توضح لماذا جلسوا للتفاوض مع المكون العسكري عقب فض الاعتصام، وأضاف أن الشارع يذهب في اتّجاه، والحرية والتغيير في اتّجاه آخر، وانهم يرغبون بتحقيق إسقاط الانقلاب عن طريق أهدافهم وليس أهدافنا، هذه التصريحات تدل دلالة واضحة على مدى التباين والاختلاف بين الأجسام.
وفي تعليق له على انسلاخ ما يسمى بالقوى المدنية من الحرية والتغيير، قال المحامي عمر حضرة (إن الحرية والتغيير لم تعد محل رضاء وقبول من لجان المقاومة). وفي تصريح آخر مثير للقيادي بقوى الحرية والتغيير وجدي صالح قال (إن القوى الإقليمية تعتبر السودان مخزناً للموارد، وتريد فرض نظام ديكتاتوري يحفظ لها مصالحها، ورهن إسقاط الانقلابيين بتوحيد قوى الثورة وعدم تخوين البعض)، واكد ذلك خلال اللقاء التنويري لقوى الثورة الذي انعقد مؤخراً بود مدني، (واكد حرصهم في الحرية والتغيير على إشـراك الجميع في وضع رؤية وحل للوضع الراهن)، واضــاف قائلاً: (نحن بالحرية والتغيير بسطنا أيادينا لكل من كان هدفه التحول الديمقراطي وبناء دولة مدنية، وان انقلاب ۲٥ اكتوبر ضم مع العسكر انتهازيين تضررت مصالحهم، ولا وصاية على الشعب لا من العسكر أو المدنيين ولن يُحكم السودان بالقوة، بل بالاستماع لصوت الشعب). وهذا يؤكد الى اي مدىً تريد قوى الحرية والتغيير الاستئثار بالحكم وإقصاء القوى السياسية الوطنية التي شاركت في انجاح ثورة ديسمبر المجيدة التي نادت بالحرية والسلام والعدالة، أعتقد هناك تباين وتناقض واضح وجوهره اختلاف حول المصالح والمكاسب السياسية، أعتقد الجميع مطالب بالعبور من ضيق المصالح الى سعة المسؤولية.
صحيحٌ لا تخلو الحياة السياسية في السودان من التنوع الذي يُعد من جوهر الحياة البشرية، وان الاختلاف والتبايُن في المواقف والرؤي يمثل عامل إثراء للحراك السياسي ولكنه بالرغم من ذلك في ان التطرف والحدة في التصريحات قد يُشكِّل ذلك تهديداً للبناء الوطني الديمقراطي ويقوِّض العملية السلمية برمتها ويهدد التحول الديمقراطي.
وللحديث بقية،،،
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل