“حالتا” البرهان لتسليم السُّلطة.. بعيون الخُبراء
تقرير: نجدة بشارة 4فبراير 2022م
مع تصاعُد الأزمة السياسية، عادت بعض الأصوات مجدداً تدعو الى الترتيب للانتخابات كخيار بديل لمعالجة المشكلات، وفي ظل هذه التعقيدات، رهن رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان, تسليم السلطة في حالتين, إما بالتوافق الوطني أو الانتخابات، وقال ان الجيش وكل القوات النظامية والأطراف السياسية ملتزمة بعدم تسليم أمانة السلطة إلا لمن يأتي عبر الانتخابات أو التوافق السياسي، وأضاف البرهان: “نريد أن نسلم السلطة لمواطنين سودانيين مُنتخبين من قِبل الشعب لحكم البلاد.”
خيارات ولكن
ولعل رهان البرهان لم يكن الأول, حيث ربطت جهات داخلية وخارجية حل الازمة بالتوافق الداخلي اولاً ثم الانتخابات، لتفادي حالة التشرذُم والاحتقان التي تسود البلاد، وصولاً للاستقرار التام، وأن يسرع القائمون على السلطة الى إقامة انتخابات عامة ليُحكم السودان عبر الديمقراطية الحرة.. ثم تعالت أصوات من اتجاهات عديدة دعت لذات الحل، وسبق ولوّح عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني وحليف حزب الأمة في “نداء السودان” للانتخابات المبكرة، وصرح “اذا فُرضت علينا انتخابات مبكرة سنخوضها مع الخائضين”.. وسابقاً أشار الرئيس الفرنسي ماكرون أمام مؤتمر باريس لدعم الفترة الانتقالية بالسودان الى ضرورة أن تفضي المرحلة الانتقالية بالسودان لانتخابات حرة, وقال “يجب أن تفضي الفترة الانتقالية إلى انتخابات حرة”. وأضاف ماكرون أن بلاده تقف إلى جانب الشعب السوداني وتدعمه لإنجاح الفترة الانتقالية.
مُناورة سياسية
ويرى مراقبون ان خيار الانتخابات رغم تكرارها, إلا أنها ظلت تجد الرفض القاطع من غالبية القوى السياسية، مُعتبرةً أن مثل هذه الدعوات لا تخرج عن كونها مناورة سياسية، بل ذهب البعض لوصفها بالانقلاب على الثورة والوثيقة الدستورية التي وقّعتها قوى المعارضة الخاصة بالفترة الانتقالية، والتي جرى التوافق عليها لتهيئة البلاد للانتخابات من خلال وضع قوانين تساعد في الوصول الى الديمقراطية المنشودة. واوضحوا بان الذهاب الى انتخابات دون إنجاز مهام الفترة الانتقالية ستكون له آثار مدمرة أكثر مما مضى في ظل الأطماع الدولية الإقليمية.
هروب من الواقع
واعتبر القيادي بقوى الحرية والتغيير ورئيس حزب البعث التجاني مصطفى لـ(الصيحة) أن مجرد الحديث عن الانتخابات في هذه الفترة يعد هروباً من ارض الواقع، وقد لا تحقق مخرجا ديمقراطيا حقيقيا، واردف: قد تكون هذه الدعوة كمن يبحث عن تبديد الوقت، وبدلاً من التفكير في الحلول المناسبة للفترة الانتقالية (نحرث في البحر), وقال حتى ان المناخ السياسي غير مهيأ الآن, حيث لا يمكن ان تدعو مواطنا يعاني من الضغوط المعيشية, واردف (كيف ندعو مواطنا يعاني الجوع وعدم حصوله على الدواء الى صندوق الاقتراع للتصويت), لذلك من يدعو للانتخابات يمارس هروبا من الواقع. ويرى ان هنالك مطلوبات سياسية ودستورية لا بد من إنفاذها لتهيئة الملعب للانتخابات وهذه المطلوبات والتحضيرات مثل تعديل القوانين وانشاء المفوضية وتهيئة مناخ الحريات. وقال: هذه التحضيرات مُهمّة لتساهم في صنع الاستقرار السياسي وإعطاء نتائج مرضية.
عدم جدية
ويرى المحلل السياسي د. الفاضل عباس في حديثه لـ(الصيحة) ان قضية الاستحقاق الانتخابي وردت في الوثيقة الدستورية توضح ان الفترة الانتقالية بين سنتين الى ثلاث، واردف الآن مضت ثلاث سنوات على الفترة الانتقالية ولا توجد اي إرهاصات أو جدية تجاه الانتخابات، وفسر لا توجد اي استعدادات، وعدم تكوين مفوضية الانتخابات او حتى إثارة اي حديث رسمي عنها, وبالتالي لا توجد اي جدية وهذا يُشير الى تبييت النوايا وكل له مأرب (تحت كُم القميص)، وطالب بضرورة اظهار الجدية من قبل المكون العسكري. وقال أعتقد أن التسويف الذي تُمارسه تتعمّد به إبطاء عملية الانتقال الديمقراطي، والانفتاح للدولة المدنية وبالتالي لا بد من معرفة أسس الديمقراطية وهي لا تنحصر في الحكم, وانما في تنشيط المفوضيات والنقابات، وبالتالي الانتخابات النزيهة, وبسؤاله عن جاهزية الاحزاب السياسية لخوضها, قال عباس إن تجربة الانقاذ لثلاثين سنة وهيمنة حزب واحد لم يترك احزابا ذات وزن او ثقل قاعدي كبير في الساحة، نسبةً للمحاولات المتكررة لحزب المؤتمر الوطني لإضعاف الأحزاب وجعل كل من يغرد خارج سرب الوطني، لكن هنالك القليل من الارث الحزبي نسبة لقدم بعض الاحزاب واصول بعضها منذ 1949م، واردف بان تجربة السودان وضعف الاحزاب خاضتها دول كبيرة استطاعت ان تنهض بعد ان دمرت الأحزاب مثل ألمانيا، عندما غزا النازيون كانت افضل دولة ديمقراطية في العالم.
المَخرج الآمن
الجدير بالذكر أن الإمام الراحل الصادق المهدي كان قد رسم صورة قاتمة للأوضاع السياسية في ظل غياب الوفاق السياسي، فوضع لذلك ثلاثة سيناريوهات هي الفوضى، او الانقلاب، أو القفز إلى انتخابات مبكرة، في ظل تباين وتباعد مواقف قوى الحرية والتغيير، إلا أن اتفاقية السلام كانت قد اعادت تشكيل المشهد وادخلت لاعبين جدداً للمسرح السياسي, بعد قرارات البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر ليعود المشهد الى مربع عدم التوافق.
وحسب المحلل السياسي الطريفي كرمنو في حديثه لـ(الصيحة), فإن خيار الانتخابات اصبح مطروحا بقوة في ظل الأزمة الراهنة وغياب التوافق السياسي والمشاحنات بين المكونات المدنية والعسكرية والتي تقود الفترة الانتقالية، واردف خاصة وان هذا الخيار يمثل الخطوة التالية للانتقالية، ولكن اعتقد هنالك تباطؤ، وبالتالي فان اطالة أمد الانتقالية كان خرقا للوثيقة وتجاوزا صريحا، وبسؤاله عن ان الانتخابات تحتاج الى استعدادات ومطلوبات، اجاب كرمنو بأن الانتقالية في مفهومها فترة للاستعداد والتحضير للانتخابات، واردف ارى ان المخرج الآمن لهذه الازمة تتمثل في قيام الانتخابات.