الخرطوم: مريم أبشر
تعقيدات كبيرة تطفو على المشهد السياسي السوداني بعد الإطاحة بنظام الإنقاذ منذ أربعين يوماً ونيف، في كل ملفاته، في أعقاب اتساع رقعة الخلاف بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، التي اعترف المجلس مبتدئاً بأنها القوى الوحيدة التي ستحظى بإدارة الفترة الانتقالية، بعد انخراط الطرفين في جولات تفاوض أعلناً معاً أن الاتفاق حولها تجاوز الـ (95%). التعقيدات والغموض نتج جراء تمترس الطرفين حول الأحقية في رئاسة ونسب المجلس السيادي خلال الثلاث سنوات، التي توافقا على أن تكون سقفاً للفترة الانتقالية. في هذا الظرف الذي أعلنت فيه قوى الحرية والتغيير أن يوم غد الثلاثاء موعد لخطوة تصعيدية جديده للضغط على العسكري، وهي الإضراب عن العمل كمقدمة لخطوة تالية هي العصيان المدني، شرعت قيادات المجلس العسكري الانتقالي في القيام بجولات خارجية يممت عبرها شطر محور (السعودية، الإمارت مصر)، في تحرك كشف التوجه العام للمجلس، خلافاً لما شدد عليه المراقبون بعد سقوط نظام الإنقاذ مباشرة، بأن الأفضل للسودان في الفترة الراهنة عدم الدخول في سياسة المحاور، وأن يجعل من سياسة المسافات المتساوية خطاً له، لحين انجلاء الموقف مع تغليب المصالح الذاتية للسودان .
ماكوكية الجولات
الجولات الخارجية ابتدرها نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان حميدتي للمملكة السعودية، أعلن خلالها استمرار القوات السودانية في عاصفة الحزم، ودعم التحالف الذي تقوده السعودية لعودة الشرعية في اليمن، فضلاً عن الدفاع عن المملكة وإدانة التحرك الإيراني العدائي في المنطقة.
ذات الدعوة والتأكيد بعدم السماح بضرب المصالح المصرية، تعهد بها الفريق الركن عبد الفتاح البرهان في زيارة خاطفة قام بها للقاهرة أمس الأول، التزم خلالها بأن السودان لن يقيم علاقات مع دولة تضر بالمصالح المصرية، مع منع وصول أي تيارات سودانية متطرفة لسدة الحكم، مع تجديد العهد بمواصلة المشاركة في قوات عاصفة الحزم لإعادة الشرعية في اليمن، وإقامة علاقات ثنائية مع القاهرة تخدم شعبي البلدين، كما اتفق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان على أولوية دعم “الإرادة الحرة” للشعب السوداني واختياراته.
سلطة تنفيذية
تحركات قيادات المجلس الخارجية اعتبرها بعض المراقبين إعلاناً بشكل رسمي لدخوله مرحلة الظهور كسلطة تنفيذية، ويرى السفير جمال محمد إبراهيم، الخبير الدبلوماسي في حديثه للصيحة أمس، إن كلا الزيارتين تمثلان تنفيذاً لبعض ملفات السياسة الخارجية للسودان ، التي كان من المفترض أن تتم وفق معالجات مدروسة من وزارة الخارجية، لو أن هنالك حكومة، وكان هنالك وزير خارجية فاعل، وأضاف (للصيحة ): غير أن الأوضاع في البلاد الآن تدار عبر سلطات المجلس العسكري السياسية والتنفيذية والتشريعية، واعتبر أن هذا الفراغ في الظروف الراهنة هي التي حتمت الزيارات، من إعتصامات وحوار متوقف بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وأشار إلى أن استعمال السلطات من قبل المجلس ينطوي على قدر من التجاوز للدور الذي يمكن أن تقوم به الخارجية، وعبر من خشيته من أن لا تكون الزيارات وضعت في حسبانها المعالجات المعمقة لعلاقات السودان مع دول الجوار من ملفات مهمة مع مصر والسعودية، كان ينبغي أن تتم بدراسة عميقة من قبل وزارة الخارجية والأجهزة ذات الصلة بالتنسيق والإشراف من قبل الدبلوماسية الرئاسية، حيث أنه من غير المعروف إن كان منسوبو وزارة الخارجية على صلة بتلك الزيارات.
قرب الهدنة
زيارات قيادات المجلس الخارجية فتحت الباب أمام أهمية التركيز في الوقت الراهن مع الاتحاد الأفريقي، ومضى أكثر من ثلث المهلة التي قطعها الاتحاد الأفريقي، ويرى السفير جمال أنه كان من المفترض العمل بجدية مع الاتحاد الأفريقي عبر مبعوثيه لتيسير التوافق بين الأطراف من أجل الانتقال لسلطة مدنية تتولى فيها المهام حكومة مدنية حيث تتقاصر الأيام أمام المهلة، ويرى أنه لابد من التركيز أولاً على إعادة وتيرة التعاون مع قوى إعلان الحرية والتغيير من أجل الانتقال لسلطة مدنية، تنهي حالة السيولة التي تعيشها البلاد.
الأولوية للداخل
بعض المراقبين شددوا على أهمية أن يركز المجلس العسكري في النظر لمشاكل الداخل الذي يغلي حالياً بارتفاع الضغوط الاقتصادية في ظل تواصل الاعتصام والتهديد بالإضراب.
ويرى السفير والخبير الدبلوماسي الرشيد أبو شامة أن رئيس المجلس العسكري ونائبه لم يقوما بالزيارات بناء على دعوات رسمية تلقياها، وأنه كان الأجدى وفق إفادته للصيحة الانتظار لحين التعرف العميق على كيفية إدارة الملفات الخارجية للدول، خاصة وأن الزيارات تطرقت لملفات غاية فى الحساسية، كملف سد النهضة والعلاقات بين دول المحور وإيران.
وانتقد بشدة أن تكون الأوضاع الاقصادية مطية للزيارات، ويرى أن الشعب السوداني كله يرفض التسول باسمه كما كان يفعل النظام البائد، غير أنه لفت إلى أن ما يتقاضاه السودان جاء لمشاركة قواته في حرب اليمن حق أصيل لأسر الشهداء والجرحى ورواتب الجنود الذين يدافعون هنالك، وطالب المجلس بالسعي الجاد لحسم الخلافات بالجلوس مع قوى الحرية والتغيير لحسم ما تبقى من خلافات، كخطوة هامة للانتقال لحكومة مدنية تضع حداً للحالة الراهنة التي دخلت فيها البلاد منذ ما يقارب الشهرين منذ سقوط نظام الإنقاذ.
تنسيق قديم
معلوم أنه منذ فجر الاستقلال انضم السودان إلى جامعة الدول العربية ، وبذلك ربط مستقبله السياسي مع هذا المحور، فصار يخوض حروبهم ويقطع علاقاته مع الدول الأخرى بما يرضيهم حسب إفادة الأستاذ عبد الفتاح المك، الباحث الاقتصادي للصيحة أمس، وأضاف: إنه حين ظهرت أحلاف داخل جامعة الدول العربية مثل مجلس التعاون الخليجي والتكتل المغاربي تم إبعاد السودان من هذه التكتلات الجديدة، وأن السودان وضع كل ثقله ومعه مصر مع الحلف الخليجي ذي الأموال الطائلة، وذلك طمعاً في أن يساعدوه في التنمية .
الأيديولوجيا وراء العداء
وأشار المحلل عبد الفتاح إلى أنه وبعد مجيء الإنقاذ دخلت في عداء سافر مع مجلس التعاون الخليجي بسبب الأيديولوجيا التي كانت تتبناها، وهي أيديولوجيا الإخوان المسلمون التي ليس لها قبول لدى الخليجيين. وحينها جرت مياه كثيرة تحت الجسر، ولم يجد النظام الإخواني الإنقاذي بدّاً غير محاولة التقرّب للخليجيين لما يملكونه من أموال لعلها تنقذ الاقتصاد السوداني من وهدته، فصار مكوث رئيس النظام بالخليج أكثر من بقائه بالسودان، حسب تعبير المحلل الاقتصادي عبد الفتاح، وقد بذل لهم من المغريات مثل منحهم الأراضي الشاسعة للاستثمار الزراعي، وتتابع الأحداث لم يصب في صالح حكومة الإنقاذ حيث جرت الرياح بما لا تشتهي سفينة الإنقاذ، حيث انقسم مجلس التعاون الخليجي إلى محورين، حلف المملكة السعودية والإمارات وحلف قطر، وحاول نظام البشير إمساك العصا من المنتصف فلم يرض هذا الحلف أو ذاك، ولذلك سعى كلا الطرفين لإسقاطه بوقف الدعم المالي، ولذلك ترنّح وخرجت عليه الجماهير مطالبة بإسقاطه بسبب الضائقة المعيشية، وهو ما أجبر قادة المجلس العسكري على اللجوء إلى الأشقاء الإقليميين في السعودية والإمارات الذين وعدوا بتقديم دعم مادي ولوجستي ضخم لمساعدة البلاد للخروج من الأزمة.
على ذات الدرب
محللون يرون أن المجلس العسكري لم يستفد من أخطاء الإنقاذ، ويشير المحلل الاقتصادي ود المك إلى أن نظام الإنقاذ سقط تحت ضغط الشارع واستولى على السلطة مجلس عسكري انتقالي، وصار حلف السعودية الإمارات يغازل المجلس الجديد و تبرعه له بدعم سخي بلغ ثلاثة مليارات دولار، ويضيف المحلل قائلاً: تحت هذا الدعم السخي وتحت الوضع الاقتصادي الضاغط لم يجد المجلس العسكري إلا الانحياز لحلف الإمارات السعودية فسافر رئيس المجلس العسكري الانتقالي إلى مصر التي هي عضو في تحالف السعودية الإمارات لتلقي المشورة في كيفية تجاوز عقبة الحكومة العسكرية التي يرفضها الاتحاد الأفريقى والمجتمع الدولي.
إبانة التوجه
بزياراته الماكوكية الخاطفة التي قادها المجلس الانتقالي من الجنرالات الرئيس ونائبه جعلت الرؤية أكثر وضوحاً بانحياز المجلس العسكري الانتقالي إلى الحلف الإماراتي السعودي المصري، المعروف عنه رفضه للإسلام السياسي ممثلًا في الإخوان المسلمين، ورفضه كذلك للنظام الديمقراطي الذي تطالب به قوى الحرية والتغيير، وتوقع الأكاديمي ود المك إخراج ما وصفه بالمسرحية بطريقة ما حتى يكتسب المجلس الانتقالي الشرعية، ويتم ضخ أموال فى جسد الاقتصاد السوداني وتحسين سبل المعيشة، التي هي مفجر الثورة ضد النظام السابق وليس المطالبة بحكومة مدنية وديمقراطية .
امتداد للإنقاذ
لم يتوان الدكتور وأستاذ العلوم السياسية صلاح الدومة في تحليله لتحركات رئيس المجلس ونائبه الخارجية في توصيف المجلس العسكري الانتقالي بأنه يمضي في ذات خطى الإنقاذ من حيث طريقة التفكير واختيار محاور التحالف.