أطفال النفايات.. ضرورةٌ أم ضياعٌ؟
مسؤول سابق: محرومون من التأمين الصحي والاجتماعي
استخدامهم في جمع النفايات من قبل المحليات بسبب هروب عمال النفايات
منظمات مجتمع مدني: انتهاكات يتعرّض لها الأطفال ولا توجد دراسات دقيقة
باحثه اجتماعية: هذا العمل مخالف للقانون
الخرطوم: أم بله النور 3فبراير2022م
تزايد الاهتمام بظاهرة تنامي عمالة الأطفال في السودان كإفراز طبيعي لتزايد معدلات الفقر والبطالة، ولجوء الأسر الى استراتيجيات تكيف على رأسها دفع مزيد من افراد الأسرة، للعمل وبينهم الاطفال لتحقيق كسب مالي يساعد في اعباء المعيشة.
كما ساهمت الصراعات والحروب في نزوح ملايين الاسر من قراهم لمناطق أخرى ، وتسبب ذلك النزوح في التشرد الجزئي والكامل للأطفال وانضمامهم للعمل في عمليات جمع النفايات.
ولقد وصف خبراء في سوق العمل ان عمل الأطفال في النفايات ليس ذو جدوى للطفل لضعف عائده المادي وارتفاع مخاطره، كما انه غير مفيد للجهات المخدمة لأسباب كثيرة، فضلاً عن انه يزيد من معدل الفقر لغياب التعليم وانتشار الأمراض لانعدام الرعاية.
قصة آدم
آدم نجح في صناعة ماعون كبير لنقل النفايات في محيط حلته، حين شعر ان هنالك غياباً كاملاً لعربات النظافة من الحي، فشرع في العمل في جمع نفايات الحي كان يستخدم كارو لنقل النفايات يوميا بمبلغ مالي حسب اتفاقه مع صاحب المنزل.
قال آدم لـ( الصيحة ) ، انه يحقق دخلاً لا بأس به غير انه اشتكى من بعد مكب النفايات، وذكر انه يعمل منذ عام تقريباً وحقق فائدة لأسرته لأنه اصبح يدفع في مستلزمات المعيشة.
نوع آخر
جانب آخر من الاطفال الذين يعملون في النفايات مثل محمود عبد الله يعمل في مجال جمع النفايات من الاحياء، رصدته (الصيحة) يقوم بجمع نفايات البلاستيك والحديد والنحاس والخرد الأخرى كخرد البطاريات والخشب وهياكل المكيفات والزيوت الراجعة.
ليس محمود وحده، بل كانوا مجموعة من الاطفال الصغار امتهنوا هذه المهنة لتحقيق مكاسب مالية لأسرهم.
محمود ذكر لـ(الصيحة) بانه يحقق فوائد كبيرة من بيع النفايات التي يجمعها هو ورفاقه، واوضح انه ترك المدرسة ليساهم في منصرفات الاسرة، وقال انه الابن الكبير لاسرته ووالده مريض.
تشردٌ جزئيٌّ
والتقت (الصيحة) بعدد من الاطفال العاملين بهيئة نظافة محلية امبدة والذين جار الزمان بهم ليجدوا انفسهم دون عائل خارج صفوف الدراسة، يعيشون حالة من التشرد الجزئي، حيث لا يعودون للمنزل إلا نادراً، جميعهم كان حديثهم مطابقا لحد كبير جمع بينهم البؤس وضيق الحال، يعملون داخل عربة النفايات يتنقلون بين الجوالات والأكياس بحثاً عن قارورة بلاستيكية من شأنها زيادة دخل اضافي ظناً منهم تحسين وضعهم المادي، وقال كافي لـ(الصيحة) ، ويسكن بمنطقة ود البشير جنوب غربي سوق ليبيا انه قدم للخرطوم مع جدته بعد فقد والدته، قال انه يعمل من أجل توفير ما يلزمه من ملابس وطعام، الا ان ما يتقاضاه لا يكفي حتى الطعام ويعتمد على بقايا المطاعم لسد حاجته من الطعام ، كما انه لا يعود للمنزل إلا نادراً حتى لا يدخل في دوامة تعرفة المواصلات والتي بدورها تزيد عليه أعباء المعيشة، ويرى انه رغم عمله لم يتمكن من توفير ملابس للعيد الماضي لتمر عليه اعياد الميلاد دون الاحتفال به.
هروب العمال
وانتهجت هيئة نظافة ولاية الخرطوم لاستخدام الاطفال بناقلات النفايات لجمع النفايات ووضعها داخل العربات. وبحسب حديث المدير العام الاسبق لهيئة نظافة ولاية الخرطوم دكتور مصعب برير، فان عمالة الأطفال وفقاً للقانون ممنوعة ومن يمارسها فهو مخالفٌ له ، حيث اشار الى انها قضية متفق عليها ولا يوجد ما يبرر تشغيل الأطفال، واضاف في حديثه لـ(الصيحة) يجب أن نثبت ان تلك القضية لا مزايدة حولها.
واقع عملي
وفي ارض الواقع، قال برير ان استخدامهم في جمع النفايات من قبل الهيئات بالمحليات بسبب هروب عمال النفايات، لضعف الراتب وعدم ادخالهم ضمن وظائف الخدمة المدنية ، وهي بيئة غير جاذبة ومنفرة ، مما خلق فجوة كبيرة في عمال النفايات ، بالاضافة الى استغلال بعض مديري الهيئات بالمحليات لظروف هؤلاء الاطفال وحاجتهم لما يسد رمقهم ، واشار الى ان جميع الاطفال يعملون بمركبات جمع النفايات والمردم للاستفادة من عمليات (البركتة) وهي عملية فرز النفايات البلاستيكية وبيعها بالوزن وجمع اليسير من الاموال، وقال برير لـ(الصيحة)، إنّ تعرضهم للنفايات يشكل خطرا كبيرا على صحتهم وعلى عملية النمو البدني والذهني، فكثير منهم يصبح مشرداً جزئياً مما ينعكس سلباً على المجتمع وعلى مستقبلهم بشكل أساسي.
واقع اقتصادي
واعتبر مصعب برير ان عمالة الأطفال فرضه الواقع الاقتصادي، والظروف التي تمر بها البلاد من النزوح وعدم الاستقرار واتاحة فرص التعليم، لذا اصبحت عمليات فرز النفايات ذات عائد يعالج لهم قضاياهم الاقتصادية حتى وان كان ذلك العائد قليلا.
وبحسب حديثه، فان عملهم بهيئات النظافة لم يحل المشكلة، فهو غير مفيد، وارجع ذلك لعدم التزامهم في المواظبة اليومية نتيجة لإهدار اموالهم في التعاطي الذي يعتبر من اخطر الظواهر وسط تلك الفئة، وكشف برير انه اثناء عمله بإدارة هيئة نظافة ولاية الخرطوم لم يصله اي نوع من الشكاوى تختص بإصابات العمل ، إلا انه عاد وقال إن الهيئات أيضاً لا تمنحهم كامل الحقوق لعامل السن الذي لا يدخلهم وفق قانون العمل، لذلك لا يمنحهم حق التأمين الصحي والاجتماعي او وظائف ثابتة، فضلاً عن عدم توفير ادوات الحماية اللازمة للعمل ، واضاف ان في فترته كان هناك تعاون مع منظمة جايكا للطفولة ومنظمة التعاون الأفريقي والتي قامت بفتح فصل دراسي لعمال المرادم ، فضلاً عن توزيع ملابس عمل وأدوات حماية وغيرها من المعينات التي يحتاجها الطفل في ذلك العمر.
ضعف الدراسات
ولمنظمات المجتمع المدني دورٌ في الحد من عمالة الاطفال في كافة القطاعات ، وكانت لجمعية “إعلاميون من أجل الأطفال” دور في توعية المجتمع بخطورة عمالة الأطفال ، وقالت الإمين العام للجمعية اسماء التوم ان هناك ضعفا في الدراسات حيث لا تتوفر للجمعية إحصائيات دقيقة حول عمالة الأطفال بالنفايات، واضافت اسماء ان لديهم بعض الإسهامات مع الشركاء من بينهم مجلس الطفوله في حملة اطفال “الدرداقات”، قبل عدة سنوات للاطفال الذين يعملون بالاسواق وقاموا بفتح فصل للدراسة داخل السوق بمحلية بحري، واضافت اسماء ان هناك مخاطر كثيرة يتعرض لها الاطفال خلال عملهم منها الانتهاكات بكافة أنواعها!
ضمانات
ولأهمية الجانب النفسي والاجتماعي الناتج عن عمالة الأطفال، قالت الباحثة الاجتماعية دكتورة ثريا ابراهيم لـ(الصيحة) ، ان العمالة بحسب قانون الطفل السوداني مرتبطة بالتلمذة الصناعية بضوابط محددة ، بتوفير التأمين الصحي والاجتماعي، مع عدم تعرضه للعوامل الخطرة، واضافت ان عمله بقطاع النفايات لا تتوفر له فيه اي نوع من الضمانات، فضلاً عن انها تسبب له إشكالات صحية جراء التلوث، والتواجد المستمر في الشارع فيتحول الى شخص متشرد، كما يمنعه من حقه في التعليم والرفاهية، إلى جانب تعرُّضه للتنمُّر، وأرجعت ذلك لثقافة المواطن السوداني الذي لا يحترم عامل النظافة ولا يقدم له أي نوعٍ من المساعدات الإنسانية، لذلك عمل الطفل في قطاع النفايات مخالفٌ تماماً للقانون.