عودة عرمان
خارج النص – يوسف عبد المنان
عودة عرمان
بعد أسبوع من الآن (تمر) على بعض السودانيين وليس جميعهم ذكرى اندلاع الحرب في المنطقتين، التوقيع 6/6 الساعة ستة، لحظتها غرقت كادقلي عاصمة إقليم جبال النوبة في أنهار من الدم وفيضان من الدموع لتجدّد المأساة الإنسانية، وفي ذلك اليوم (المشؤوم) شهدت المدينة محاولات من وفد حكومي جاء من الخرطوم لإنقاذ الإقليم من عودة الحرب.. انخرط ياسر عرمان من الحركة الشعبية، وعبد الله تية، ونائب مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق ميثانق في مباحثات طويلة مع الجنرال عبد العزيز آدم الحلو، الذي انتقل من بيته داخل كادقلي واتخذ من منطقة (تافيري) غرب المدينة حصناً يعصمه من الصواريخ وراجمات (الشوارز) الإيرانية المنشأ..
في وقت دخل فيه وفد من من المؤتمر الوطني يقوده الراحل يحيى حسين والسفير إدريس محمد عبد القادر في تفاوض مع الوالي أحمد هارون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. في مطار كادقلي قال ياسر عرمان لكاتب هذه الزاوية بعد أن فشلت المهمة الأخيرة قبل إطلاق الرصاصة الأولى “نصحناهم فرفضوا النصح”..!!
العبارة ظلت محفورة في ذاكرتي حتى اليوم.. ومنذ ذلك التاريخ خرج ياسر عرمان من الخرطوم، ولكنه بقي في بعض أطراف السودان يدخل كاودة واللويرا ويطوف على طروجي والريكة.. ما كان ياسرعرمان داعية حرب رغم أن صورته تتعرض للتشويه اليومي.. وعرمان مثل منصور خالد تنظر إليه النخب النيلية بعين السخط لماذا يختار الوقوف مع (أعدائنا) التاريخيين؟؟ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد؟؟ ينظر إليه القوميون الجنوبيون بعين (الغيرة) كيف استحوذ هذا (المندكورو) على القائد جون قرنق وجعله أقرب من لوكا بيونق وبيتر نيوت.. وحتى بيور أسود.. وفي جبال النوبة حفر القوميون النوبة عميقاً في تربة العنصرية وفي لحظة شرود ذهني وسوء تقدير سياسي وجد الجنرال عبد العزيز الحلو نفسه مرغماً على التضحية بعرمان ليبقى الحلو في رئاسة الحركة الشعبية، التي فقدت القدرة على الطيران بعد انكسار جناحها السياسي الذي يمثله ياسر عرمان في كل جولات التفاوض بين الحكومة السابقة والحركة الشعبية لوحدها أو مع حلفائها من قوى نداء السودان، كان ياسر عرمان يقدم رؤيته في الحل بموضوعية.. ولكنها أي رؤيته تجد المعارضة والرفض دون تمحيصها جيداً.. في آخر مفاوضات كان يقودها ياسر عرمان قدم مبادرة شجاعة لرئيس وفد الحكومة إبراهيم محمود حامد، لكن النخبة العسكرية التي كانت تفرض وصاية على القرار السياسي أجهضت المبادرة..
أمس عاد ياسر عرمان في هدوء وبلا ضوضاء وصخب سياسي، عاد عرمان مثلما عاد (مصطفى السعيد) في رواية موسم الهجرة للشمال، لن أجد أصدق تعبيراً من إجابة مصطفى (السعيد) رداً على من يسأل عرمان عن أسباب العودة من غير اتفاق “ليس مهماً من أين عدت ولماذا عدت ولكن المهم أنني عدت”..!!