عبد العزيز يعقوب يكتب : الثورة الرافضة وشعاراتها العدمية
3فبراير2022م
(١)
العدمية (Nihilism) هي تعبير عن التشاؤم الفلسفي وهي باختصار فكر رافض للفكر الاجتماعي والأخلاقي والسياسي والجمالي والفني. واعتقد أن هذا الشكل من اشكال الرفض المفضي الى الاستحالة يحمل كل معاني الاكتئاب ويخرج الى حيز الوجود في اشكال لا تفضي الى حلول ايجابية وغالباً ما تكون هي الكائن وضده في حلقة مفرغة لا تغرس الأمل ولا تحصد الحلول والنجاح وتكون معلقة بين السماء والارض.
إن فن السياسة كله يقوم على الحوار والتفاوض وتقديم التنازلات لتحقيق الاتفاق حول الخلافات والنزاعات بين الكيانات الاجتماعية والاحزاب وحتى بين الدول لتحقيق السلام والنهضة، والسياسة هي فن الممكن لاسعاد البشر لذلك نشأ علم جديد من علوم السياسة والعلاقات الدولية يسمى بفض النزاعات وحلول السلم الاجتماعي “conflict resolution”. وقد بدأ كجزء صغير في العلوم الاجتماعية لدراسة كيفية معالجة المشاكل الأسرية في بوابة علم النفس وتطور بهدوء ليعالج كثيراً من المشاكل المجتمعية والازمات التي تقوم على اساس الصراع الثقافي والاجتماعي وبالتأكيد السياسي ليضع علم فض النزاعات اسساً للحوار والتفاوض والمشاركة ومبادئ لكيفية بناء معابر وجسور الثقة بين اقطاب الخلاف حتى يستطيعوا ان يبتدعوا وسائل حضارية ومدنية تضع معالم لمستقبل افضل لهم جميعاً.
(٢)
انا كالكثيرين من ابناء السودان, يراقبون ابناء السودان وهم يُعبِرون عن رفضهم للحكم العسكري ويطالبون برؤية اقتصادية تصلح حالهم ومستقبلهم ومستقبل البلاد وهذه كلها مطالب مشروعة، ولكن لعمري ما رأيت ثورة وشبابا متطلعا يقول لا لكل المكونات لا لحمدوك ولا للعسكر ولا الحركات ولا للاحزاب، الامة والاتحادي والبعث وغيرها ولا للإدارة الأهلية, ويقول لا لسياسات البنك الدولي ويقول لا لسياسات التحرير ثم يعقب ذلك بلاءات ثلاثة لا للتفاوض ولا للحوار ولا للمشاركة … ولم اسمع في كل ذلك مشروعا للحل السياسي المتكامل او الاقتصادي او الخطط الثلاثية او الخماسية او برامج الاسعاف العاجل او مشروع متكامل من اجل وضع حلول للازمة السودانية ولكننا جميعاً سمعنا اللاءات لا ثم لا ثم لا… فماذا تبقى اذن بعد كل هذه اللاءات غير الوصاية والتدخل الدولي, ” فولكر” او الحرب التي لا منتصر فيها والخاسر فيها السودان شعباً ورسماً.. فهل عجزنا نحن اهل السودان بكل تراث الصفح والصوفية والجودية وبكل ابناء السودان العلماء والحكماء ان نخرس صوت الباطل وندفع بصوت العقل والعلم ونتدافع بالقيم النبيلة لنتفق على حد ادنى وان نكبح ونلجم جماح الكراهية التي اصبح صوتها اعلى واقوى واكبر واحقر بلجام من نار…
لقد سئمنا اصوات الضجيج التي لا تحمل الا الفوضى والتخريب والدمار والموت لشباب حي وجيل جديد كان يمكن ان يكون في الحقول والمصانع ومواقع العطاء جيلاً يضع الرؤى لسودان يعلي ويحسن التعايش السلمي ويحترم التنوع ويتجه نحو الإنتاج.
(٣)
يأتي السؤال المهم قصة الفلسفة العدمية التي قد لا تهم كثيرين واكثر ما يعنيهم المعاناة اليومية للمواطن في المأكل والمشرب والصحة والتعليم، وهذا صحيح بالتأكيد, ولكن نحتاج ان نفهم بعض ما نسمع لنستطيع أن نحدد اين نقف، فالفلسفة العدمية في باب السياسة هي ان تعلي سقف المطالب بحيث تصعُب وتستحيل الحلول وبالتالي تُعجز خصمك او خصومك وتضعهم في خانة الفشل والعجز. لقد حققت انتصاراً نعم، لكنه انتصار مزيف لا يعني ان خصمك او خصومك لا يمتلكون مقدرات للمقاومة والعودة من جديد, وايضا لا يعني بأنك الأفضل والأصلح، لكن هذا الانتصار قد يرضي غرورك الذاتي بأنك حققت انجازاً حتى وان كان مؤقتا.
ولكن يبقى السؤال ماذا يريد الشعب السوداني؟ …. انا اتخيل… نحن الشعب السوداني نريد انتصاراً لقيمنا وموروثاتنا وثقافتنا، ونريد انتصارا يقبل ويدافع عن تنوعنا ونريد انتصاراً يجعل عاصمتنا هي الاجمل والانظف والابهى ونريد انتصارا يجعل التعليم اجبارا وحقا لكل طفل ونريد انتصارا يُعلي قيم العمل والانتاج ونريد انتصارا يجعل جميع مرضانا لا يغادرون حدود الوطن من اجل الاستشفاء او من اجل جرعة دواء. ونريد انتصارا يوقف صوت البندقية ويحقق الامن والسلام، ونريد انتصارا يحترم ويكرم الانسان ويحقق العدل.
#لا للشعارات العدمية صفرية النتائج#
#نعم للحوار والتفاوض والتنازل من أجل السُّودان#
فلادليفيا
٣٠ يناير ٢٠٢٢