النذير إبراهيم العاقب يكتب : التروس لا تهز العروش
29يناير2022م
عامان بالتمام والكمال غبتهما عن العاصمة الخرطوم، قضيت جُلها في إقليم النيل الأزرق الذي يتمتّع الآن باستقرار وأمان كامل بفعل إنفاذ اتفاقية السلام الخاصة بالإقليم، وتطبيق مبدأ الحكم الذاتي، والذي وإن لم يُطبق بحذافيره حتى الآن، إلا أنه بدأ يحقق الكثير من الأهداف والمرامي التي من أجلها تم تطبيقه في النيل الأزرق.
عُدتُ إلى الخرطوم مُمنياً نفسي بحالٍ أكثر أمانٍ واستقرارٍ على كافة المستويات السياسية والمعيشية، بيد أنّني فُوجئت بحال أقل ما يمكن أن يوصف به (فوضى عارمة) تضرب بأطنابها في مداخل وخارج العاصمة، حيث لا أمان ولا استقرار البتة، وجدت ما يسمون أنفسهم بـ(لجان المقاومة) يعيثون تخريباً وتدميراً للبنى التحتية للطرقات العامة، وبكل مدن العاصمة الثلاث، وذلك بـ(تقليعهم) لإنترلوك الطرقات ومن ثم إغلاق الطرق بذاك الطوب من خلال عمل تروس لا قبل للمارة أو أصحاب المركبات العامة والخاصة بها، فضلاً عن منعهم لكل صاحب عربة من المرور عبر هذه الطرقات، الأمر الذي من شأنه وبلا شك الإضرار بمصالح الجميع، لا سيَّما المرضى الذين هم في أمسّ الحاجة، والحاجة العاجلة للوصول إلى العيادات والمستشفيات التي يتلقون فيها علاجهم الدوري، الأمر الذي تعذَّر وبشكلٍ مُرعب بالنسبة لهؤلاء المرضى الذين، وأمامي، مات منهم ثلاثة داخل سيارات أسرهم، وهم في طريقهم لتلقي العلاج من أمراضٍ مُستعصية، وذلك جرّاء إغلاق الطرقات، وتلك الحادثة تمت يوم الثلاثاء الماضي ونحن في طريقنا من الكلاكلة القلعة وحتى مدينة الشجرة فقط، وعلى ذلك قِس مُستوى المعاناة الجسيمة التي ظل ومازال يعانيها المرضى في مختلف أنحاء العاصمة المثلثة جرَّاء، هذا الفعل الأخرق من شباب كان من المُفترض أن يكونوا هم أساس تنميةِ المُجتمعات وبنائِها، لا سيّما وأن المُجتمعات التي تحوي على نسبٍة كبيرة من الفئة الشّابّة هي مُجتمعاتٌ قويّة، وذلك كون طاقة الشّباب الهائلة هي التي تُحرّكها وترفعها، لذلك فالشباب ركائز أيّ أمّة، وأساس النماء والتطور فيها، كما أنّهم بُناةُ مجدها وحضارتها وحُماتها، وهم عمادُ الأُمة وسر النَّهضة فيها، وبناةُ حضارتها، وخطُ الدِّفاعِ الأوَّل والأخير عنها، ويشاركون في عمليَّات التَّخطيط المهمّة.
ومن الأمثلة على أدوار الشباب، التطوع في مؤسّسات المجتمع المحليِ، والمُساهمة في إضافة عدد الأيدي العاملة وزيادة الإنتاجِ والفائدة، فضلاً عن تعزيز الجانب الثقافي من خلال تعزيز المُبادرات للتعريف بالثقافاتِ المُتنوعة، وتبادُلها والحفاظ على هويةِ الوطن وإبراز تاريخه، من خلال استدعاءِ البطولات الماضية وتمثيلها في الحاضِرِ، والمساهمة كذلك والعمل في الدفاع عن الوطن وحمايته، حيث يكون الشباب أول من يقدِّمون أنفسهم فداءً للوطن بكلَّ غالٍ ونفيسٍ، بجانب أهمية نشرهم للوعيِ الصحي من خلال الأنشطة والفعاليات حول الأمراض الخطيرة والموسميَّة وأسبابها وكيفية الحماية والوقاية منها مع إرشادات ونصائح توجيهية.
الأمر الذي يوجب على أولئك الشباب الذين يقومون خلال هذه الأيام بعمليات التخريب المتعمدة للطرق ومنع المواطنين من الوصول إلى أماكن عملهم ومتابعة مصالحهم اليومية وتلقيهم للعلاج، عليهم تغيير هذه الأساليب الخرقاء والعمل وفق مفهوم تنمية المجتمع التي عرّفت تنمية المجتمع بأنّها، (العمليّات والمُمارسات التي يَتعاون فيها الأهالي، ويضمّون جهودهم مع جهود الحكومات لتطوير وتحسين ظروف المجتمع المحلي الاجتماعيّة والاقتصادية والثّقافية، والسعي لتكامل المُجتمعات في واقع الأمّة وجعلها قادرةً على الاشتراك في مَسيرة التقدّم القومي).
تلك بالفعل هي المؤشرات والواجبات المفروضة على الشباب الوطني الحقيقي التي يسعى لمصلحة وطنه ورفعته وتنميته، والتي قطعاً لا يمكن أن تتم بتلك الممارسات الخاطئة، والأساليب المعيقة للمصالح العامة والخاصة، لا سيَّما وأن (التروس عمرها لن تهز العروش) أو تطيح بالحكومات، الأمر الذي يستوجب على هؤلاء الشباب، وخاصة قياداتهم المفترضة، أن يأتوا بخطط إيجابية فاعلة للإسهام المباشر في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في كل ربوع الوطن.