كل مرة، عندما تفشل قوى الحرية والتغيير في الحصول على رغباتها، وتعجز عن تحقيق أهدافها، تلجأ إلى أسلوب آخر، وهي تُصارع وتُعارك المجلس العسكري، فسلاحُ الإضراب والعصيان المدني الذي أعلنت عن إشهاره، لن يكون ذا جدوى في ظل الظروف الحياتية الراهنة، ومع انصراف المواطنين وانصرافهم عن هذه الدعوات الانصرافية التي لن تُحقّق نتيجة، ولن تُجبِر قادة المجلس العسكري على ترك السلطة في العراء ليلتقطها (سيَّارة) الحرية والتغيير، وتفتقد مجموعة هذا التحالُف السياسي المُتنافِر أبسط قواعد اللعبة السياسية، فسلاح الإضراب والعصيان المدني فات أوانه، وكان مُجدياً قبل تورّطها في زحام الجولات التفاوُضية من أجل المُشاركة في السلطة واقتسام كيكة الحكم، وظهور الشهوة المجنونة والمُتوحّشة من أجل كراسي الحكم.
بات الناسُ أكثر وعياً، فالطمع ومصالح السياسيين ونزواتهم السُّلطوية لن تدفع بالمواطنين والعاملين في القطاعين العام والخاص إلى الإضراب وترك أعمالهم وواجباتهم والتخلّي عن التزاماتِهم الوطنية والمهنية والأخلاقية من أجل حفنة من عَبَدة شيطان السلطة، فما هي مصلحة الموظّف أو العامِل البسيط أو التاجر أو الطبيب والكادِر الطبي أو المهندس والفني أو أي فرد عامل بمختلف مواقع العمل خاصة الحيوية منها، ليترك عمله ويتخلّى عن دوره بسبب دعوة باطِلة وماكِرة وعمياء لا تُبصر الواقع تُريد إيقاف العمل وجعله مطية للوصول إلى السلطة؟
لقد اكتشف الجميع منذ فترة حقيقة ما يسعى إليه هؤلاء، وعرفوا طويّة ما يسمونه بتجمّع المهنيين، عِجل السامري الجديد الذي يتعبّده اليساريون الآن، فلا خوار هذا العجل، سيُعجّل بتسليم السلطة لعُبّاده الجُدُد ، ولا جسده المصنوع من خِدعة سيجلب لهم المواقِع الوزارية والسيادية على طبقٍ من ذهب… سيُعرِضون للبيع أوهامهم على قارعة الطريق، وعلى رصيف الشارع السياسي ولا مُشترٍ سيلتَفِت ويلتقِط البضاعة المُزجاة، فكل مواطن يسعى لقوتِ أطفاله ولشراء ملابس العيد والاحتياجات اللازمة والضرورية لأسرته في ظل هذه الظروف الاقتصادية الضاغطة، لا يهمه إن كان هناك إضراب عن العمل أم لا، ولا سُلطة مدنيّة ولا يحزنون، يًريد مثل هذا المواطن الطمأنينة والأمان، وما يسد الرمق، وما يُلقِيه في حواصِل الزغب الصغار من أطفاله، لقد أضاع العاطِلون عن المواهِب والعمل من السياسيين الوقت الثمين للشعب السوداني، سدُّوا عليه الطرقات، ضيَّقوا المنافِذ، حرموا الولايات البعيدة قوتها ووقودها، ويُريدون الآن تعطيل العمل وإيقاف دولاب ودواوين الدولة حتى لا يجد المواطنون في شهر رمضان الفضيل الكهرباء والماء وبقية الخدمات الأخرى، لتنقلِب حياته إلى تعاسة وبؤس…
دعاة الإضراب والعصيان، عليهم الإجابة على سؤال بسيط، هل إذا أغلق المواطنُ عليه باب داره، وامتنع عن رِزق صغاره، وغاب عن مقر عمله، وقاطَع زبائن متجره، وترك مصنعه ومكان خدمته، هل ستتدلَّى لهم السُّلطة المدنية كالثُّريات الذهبية من فوق السماء وتحل بين أيديهم؟ وهل ذلك هو كل ما يُريدون…؟