التصعيد والتهديد بالإضراب..إنهاء للاتفاق أم إغلاق لملف التفاوُض؟
تقرير: عبد الله عبد الرحيم
ظلّ ماراثون التفاوُض بين المجلس العسكري الانتقالي وتجمُّع قوى الحرية والتغيير بين شدٍ وجذبٍ، كل طرف يسعى لجني أكبر مكاسب.. وقد دخل الطرفان في مُفاوضات استمرت طوال أسبوعين من شهر رمضان الكريم.. وقد أبلغ الطرفان المُجتمع السوداني عبر وسائل الاتصال عن التوصُّل لاتّفاق حول هياكل السُّلطة السِّيادية والتنفيذية والبرلمان، بيد أنّ شيطان التفاصيل قد عرقل المسيرة التفاوُضية عبر تحديد النسب في النقاط التي تمّ الاتفاق فيها، بجانب رئاسة المجلس السيادي والعدد المُكوّن للمجلس وواقع كل طرفٍ فيه، ما أدّى إلى وصول التفاوُض بين الطرفين إلى طريقٍ مسدودٍ.. وقد شدّد تجمُّع المهنيين من أنه سوف ينطلق نحو الخُطة البديلة وهي الخطوة التصعيدية وإعلان العصيان المدني في كل البلاد، الخطوة التي واجهها المجلس العسكري بتصعيدٍ جديدٍ لم يكن في حُسبان قُوى الحُرية والتّغيير وهي فك تجميد الاتّحادات والنقابات ما أعطى شُعُوراً لدى تجمُّع المهنيين بأنّ المجلس العسكري قد انقلب على عقبيه بإعادة تلك النقابات، التي يرى قوات الحرية والتغيير أنّها مجالس ونقابات كيزانية بحتة، بيد أنّ الحرية والتّغيير قد دعا إلى إضرابٍ عامٍ في السودان واستخدام سلاح الإضراب رغم خطوة فك تجميد النقابات والاتّحادات من قبل المجلس العسكري.. فهل هذا التصعيد من قبل الحُرية والتّغيير وعزمه إنفاذ الإضراب السياسي العام في البلاد يوم الثلاثاء المُقبل يعني إنهاء الاتّفاق وإغلاق ملف التفاوُض بين الطرفين؟.
طريقة مُختلفة
الأستاذ تاج السر محمد صالح القيادي بالحزب الاتحادي يرى بأن هؤلاء الشباب بما فيهم المجلس العسكري هم أصحاب طريقةٍ خَاصّةٍ اختلفت عما كان المُجتمع السوداني عليه في الفترة الماضية، وقال إنّ طريقتهم اختلفت عما كنا نعمل في السابق، وواضحٌ جداً الانفتاح على العالم الخارجي، وتراكُم للتجارب ألهمتهم ابتداع طريقة هي الآن جديدة على المُجتمع السُّوداني في التحاوُر والتفاوُض وغيره.. وأعرب تاج السر عن آماله في أن تتواصل مَسيرة التفاوُض بين الطرفين وأن تُكلّل بنجاحٍ كبيرٍ يرضي كل الطُموح للمُجتمع السُّوداني الذي عَانَى ما فيه الكفاية وله أن يعيش حَياةً كَريمةً.. وحول مَلامح الوُصُول لطريقٍ مسدودٍ وإنهاء حلقات التفاوُض بين الطرفين، قال إنّ المسألة سوف تَستمر بما هو راهن عليه اليوم من شدٍ وجذبٍ، وسوف تقود للتّغيير على النّمط الذي يَقرأه أجيال الأمس، مُؤكِّداً أنّ التغيير حاصلٌ لا محالة في ذلك، لكنه ورغم لغته المُتفائلة، فإنّه يرى بعض المُهدِّدات التي تعترض سبيل هذا التفاوُض ليُجنِّب البلاد مَزالق العُنف الذي ربما يلوح في الأُفق بناءً على مُعطيات الواقع الشائك ووصول الطرفين إلى الحالة الصفرية قبل انطلاق التفاوُض.
إزالَــة الاحتقَــان
ويُؤكِّد د. غازي صلاح الدين لـ(الصيحة) أنّ العمليّة التفاوُضيّة والسِّياسيَّة عبارة عن أخذٍ وعطاءٍ وردودٍ، مُشيراً الى أنّ الخطأ الأساسي الذي وقع فيه الطرفان هو قفل باب التفاوُض على مجموعة بعينها دُون بقية القوى السياسية الأخرى التي ترى بأنّ لها الحق في التفاوُض مثل غيرها، لكن د. غازي لم يستبعد إمكانية التوصُّل لحلول بشأن الأزمة السودانية الراهنة، وقال إن إمكانية التوصُّل الى حلول للإشكالية الحالية قائمة حتى الآن، وإنها تأخذ قدراً من المرونة لتحديد الأطراف المُتحاورة، وأشار غازي إلى المُعطيات في المواقف والتي قد تعطي مساحة للتوافُق بين الطرفين، موضحاً أنّ هذا المسار يقدم فقط في تطوير الموقف التفاوُضي مع الطرف الآخر لكلا الطرفين.. وقال: ما ينبغي أن يتم التوصُّل إليه هو خطوات فقط ويتم التوصُّل لمسودة نهائية، ودعا غازي الجوانب المُختلفة لإزالة الاحتقان الحاصل بالدعوة.
تصعيد مقابل
ولعل المُهدِّد الخطير الذي أشار إليه د. تاج السر محمد صالح القيادي بالاتحادي الديمقراطي والقانوني المعروف، هو ذات المُهدِّد الذي أكّدته الكثير من القوى السياسية والكيانات الدينية التي أبدت سَخطها لما تمّ وما زال يجرى في أضابير المُفاوضات بين قُوى الحُرية والمجلس العسكري قبل أن تتوصّل لطَريقٍ مَسدودٍ، بجانب مُحاولات التّصعيد المُستمرة المرفوعة من قِبل قُوى الحُرية.. بينما يرى مُراقبون تلك العمليات وتصعيد المجلس العسكري لمَوقفه قبالة سياسة المُحاورين وممارسات الثُّوّار المُشايعين لقوى إعلان الحُرية بأنه مُجرّد تماطل لإطالة أمد التفاوُض مع قُوى الحُرية ليخلق واقعاً مواتياً لبقية القُوى السِّياسيَّة والكيانات الحزبية المُبعدة من التفاوُض تمكِّنهم من إعادة صفوفهم للوصول بالتفاوض عبر الضغط الذي يتوقّع مُمارسته من هذه الأطراف إلى المحطات النهائية التي هي واصلها دُون شك، وبرهن السر هذا بأنّه لا يُمكن أن تستمر مُفاوضات بين جانبين أو طرفين لا يشملان كل القوى السياسية وبمنأى عن وجهات نظر ورؤى سياسية أخرى، بيد أنّ الرافضين للاتفاق يزداد “كومهم” يومياً ويكبر مردودهم السِّياسي باتفاق مزيدٍ من مجموعات القصر الموجودين، في وقتٍ بدأت جماعات وفصائل كثيرة الانسلاخ والتّراجُع عن موقفها بعد أن تَعَاطَفت مع إعلان الحُرية من قبل، لجهة أنّهم لن يجدوا أنفسهم فيما تمّ توقيعه من اتفاق، وأنّ النسبة المئوية التي تم التوصل إليها قالوا إنّها لا تمثلهم، وإنّها قسمة غير مُنصفة، ومُحاولة لإنتاج الفكرة المَاضية للحكومة الماضية.. وفيما يلي خطوات المُواجهة التي قد يتّخذها الطرف الآخر، هو إعادة النقابات والاتّحادات الى العمل بعد أن تمّ إعلان حلها وتجميدها، عقب حالة الشد والتّصعيد الكَبيرة من قِبل الحُرية والتّغيير، والموقف المُزدوج في مُواجهة بقية القُوى السِّياسية الأخرى.. ربما هذا الموقف قد يعجِّل بنسف هذا الاتّفاق الذي يُعارضه الآن الكثير من القوى السياسية المقصية من المشهد السياسي رغم تفاؤل البعض الآخر من السِّياسيين.
لغَــــــــة وعـــــــــرة
عقبة التفاصيل هذه، التي تعيق مسار التفاوُض بين الطرفين العسكري وقوى الحرية والتغيير لم تكن وليدة اليوم، فقد أكد الأستاذ عبد الرسول النور القيادي بحزب الأمة القومي لـ(الصيحة) أنّ التصعيد غير مُبرّرٍ بأيّة صورة في ظل وجود التفاوُض الذي يحتاج لنَفَسٍ طَويلٍ ومنح الطرف الآخر قدراً من الثقة، وأشار عبد الرسول إلى مُتطلبات التفاوُض التي أكّد فيها ضرورة الحديث بلغة يتجنّب فيها المحاور جرح مشاعر الطرف الآخر وتجنُّب وقع الكلمات، لأن النفوس دائماً تشحنها “اللغة الوعرة”.. وزاد عبد الرسول بأنّ التفاوُض الذي يصل فيه المُفاوض لنقاط اتّفاق تكون مفرقة من أنواع الضغوط، لا يشعر المُفاوض بأن ما توصّل إليه تم بدون ضغوط، ولذلك كان الأجدى دعم نقاط الاتفاق التي تمّ التوصُّل إليها في جلسات التفاوُض السابقة بين الطرفين، والعمل على احتواء نقاط الاتّفاق واحتواء مناطق الخلاف ودائماً التصعيد لا يأتي بنتيجة إيجابية.. ووجّه عبدا لرسول النور إلى مواصلة التفاوُض وعدم اللجوء لما يُعرف بالعصيان المدني الذي قد يُعيق الوضع ويجعله أكثر خُطورةً لتجنيب البلاد مآلات التصعيد والانتقال إلى مربعٍ آخر من الفوضى وغياب الأمن والاحتراب.