تقرير: النذير دفع الله
القاهرة تعتبر أنّ السودان يُمثل العمق الاستراتيجي لمصر جنوباً، وبالتالي فإنّ ما يجري في هذا البلد يتّخذ أهمية قصوى بالنسبة للسلطات المصرية، وكان الرئيس السيسي قد قال خلال قمة تشاورية في أبريل الماضي حول الأوضاع في السودان بحضور بعض الدول الأفريقية، إنّ الحل سيكون من صنع السودانيين أنفسهم عن طريق حوارٍ شاملٍ جامعٍ بين القوى السياسية المُختلفة في السودان، يؤدي إلى التوصُّل لحل سياسي تَوافُقي، ويضع تصوراً واضحاً لاستحقاقات هذه المرحلة، ويقود إلى انتخابات حرة ونزيهة، ولكن مصر التي يبدو عليها علامات التّوتُّر والقلق لما يجري في السودان، سيما وأن رئاسة الاتحاد الأفريقي هذه المرة قد آلت للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكان الاتحاد الأفريقي الذي أمهل المجلس العسكري السوداني ثلاثة أشهر، تنتهي منتصف يونيو المُقبل لتسليم السُّلطة للمدنيين، هي مُهلة بدأت بأسبوعين منذ خلع الرئيس البشير، ولكنها سُرعان ما تمدّدت لثلاثة أشهر حتى يتم تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي.. عليه فإنّ زيارة رئيس المجلس العسكري الفريق أول عبد الفتاح البرهان في هذا التوقيت لقاهرة المعز وهي الزيارة الخارجية الأولى له منذ أن تولى رئاسة المجلس نهاية أبريل الماضي، تحمل في جوفها أكثر من رسالةٍ، سيما وأنّ القمتين العربيتين اللتين تُعقدان في الرياض الأيام المُقبلة، ستحاول الخوض في تفاصيل الأوضاع ومآلات الواقع السوداني.
فمصر التي بدأت تظهر بعض تفاصيلها وبصماتها في الواقع السوداني إبَان الثورة، وهو ما أدّى لأن يقوم شباب الثورة بتسيير حَملة وتَظاهُرة أمام السفارة المصرية، مُندِّدةً بأيِّ تحرُّكات لا تُصب في صالح الثورة والتغيير بالسودان.
مثلث الضغط
مثلث التشكيل الثوري الذي يلتف حوله المجلس العسكري (مصر والسعودية والإمارات) أصبح المثلث الذي يُشكِّل كرت ضغطٍ، ساهم بصُورةٍ أو أُخرى في عدم وصول طرفي الخلاف لاتفاقٍ حول تسليم السُّلطة للمدنيين حسب ما رَوّج له الرأي العام منذ بداية الثورة، لما يمثله السُّودان من لاعبٍ أساسي لصالح تلك الدول، ففي ذات التّوقيت الذي يَتَواجد فيه رئيس المجلس العسكري بالقاهرة، كان نائب رئيس المجلس العسكري الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” قد سبقه بيومٍ واحدٍ في زيارة إلى المملكة العربية السعودية، التقى خلالها ولي العهد السعودي، زيارة خلّفت وراءها تَساؤلات جمّة، سيما عن وجود حراكٍ خفي قبل قيام القمة العربية.. ولكن الشاهد في تفاصيل الأشياء، فإنّ زيارة رئيس المجلس العسكري للقاهرة ونائبه الى المملكة السعودية تأتي في إطار كسب التأييد خلال القمة العربية المُقبلة بالرياض، في الوقت الذي أعلنت فيه قوى إعلان الحرية والتغيير لإضراب شامل ابتداءً من الثلاثاء المقبل وُصُولاً لمرحلة العصيان المدني من أجل الضغط على المجلس العسكري وتَسليم السُّلطة للمدنيين، بعد أن أعلن المَجلس عدم المُوافقة على مَطَالب قُوى الحُرية والتّغيير، بل وتعليق التفاوُض بين الطرفين لأجل غير مُسمّى!
حَق السيادة
الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء (م) يونس محمود، أكّد لـ(الصيحة) أنّ المجلس العسكري بدأ يُمارس الآن حقه السيادي كاملاً بإجراء ما يلزم من اتّصالات وإعادة تأسيس العلاقات السودانية مع دول الجوار، ومُناقشة كل المُشكلات العالقة والتّطورات الجارية في السُّودان التي تحتاج بالضرورة لشكل من الإسناد الخارجي، سيما من دُول الجوار بما فيها مصر، مُشيراً الى أنّ المصريين أنفسهم أبدوا استعدادهم للتعاون مع السودان للخروج من هذه الأزمة لبراح الاستقرار والسَّلام، خَاصّةً وأنّ سلام مصر يأتي من سلام السُّودان، وأضاف يونس أنّ المصريين لديهم مصالح عُليا مُتعلِّقة بالسودان، عليه فأيّما اضطراب يُؤثِّر في السُّودان، فإنّه يُؤثِّر في الأمن المصري بالبُعد الاستراتيجي، وهو أيضاً مَا أدى لزيارة نائب رئيس المجلس العسكري “حميدتي” الى السعودية، ومُشاركة البرهان للقمة العربية يومي 27 و28 مايو الحالي في السعودية، فَضْلاً عن الاتّصالات التي أجراها المجلس مع السفارات والمُنتدبين من البعثات الدبلوماسية.
خيارات مُتاحة
وأقر يونس أن المجلس العسكري من خلال قراءة الوقع فإنّه استعجل في إعطاء قوى إعلان الحرية والتغيير ما لا تستحق، مُندِّداً بأنّ الظروف التي استعجل فيها العسكري غير مفهومة، ربما جَرّاء الضغط الإعلامي الذي صنعته قُوى الحُرية والتّغيير، وأوضح يونس أنّ قُوى الحُرية والتغيير ادّعت بأنّها تملك ناصية الطريق في مُعالجة الأشياء، وإنّها نالت حقاً ليس من حقها، وهو ما اكتشفه المجلس العسكري مُؤخّراً.. هذه الحقيقة وأنه وقع في (كمين) وأصبح محرجاً مع القوى السياسية الأخرى التي تدعم المجلس في قراراته، ولكن المجلس أحسّ بخذلانٍ كبيرٍ بأنّه أعطى حقاً لقوى الحرية والتغيير واليساريين حقاً غير حقها، مُشدداً أن المجلس يبحث في طريق الرجعة الآن، وما يقيِّده الاتفاق المُعلن الذي لا تراجع منه، مُنبِّهاً أنّ التعنُّت الذي أصاب قوى الحرية والتغيير يأتي في مصلحة المجلس العسكري، حيث من الاستحالة أن يمنح العسكري المجلس السيادي لقوى الحرية والتغيير حتى لو أصبح السيادي (القشة) التي قصمت ظهر البعير أو القندول الذي (شنقل) الريكة فدعه (يشنقلها)، عليه فإنهم يسعون لتشكيل حكومة قومية أو انتخابات مُبكِّرة وهي خيارات أصبحت مُتاحة أمام العسكري الذي لم يرها سابقاً.