(1)
تعتبر صناعة الفخار في السودان، واحدة من أقدم الصناعات اليدوية التي تواصل صمودها رغم رياح التغيير، محتفظة بروادها ومستخدميها.. وتشتهر منطقة «القماير» بمدينة أم درمان في العاصمة السودانية الخرطوم بصناعة الفخار، وتنتشر فيها العديد من المصانع المخصصة لمزاولة هذه المهنة، ويمارس العشرات، مهنة تصنيع العديد من الأواني المصنوعة من الطين عن طريق اليد أو عن طريق العجلة وهي “آلة تُدار بالقدم عن طريق السير.”
(2)
وتقول الأستاذة الصحفية (سهام صالح) على ضفاف النيل الجميل في مدينة أم درمان وفي حي «القماير» على بُعد أقل من 10 كيلومترات من وسط العاصمة الخرطوم، تبدأ حكايات عشق السودانيين للفخار المصنوع من طمي النيل المترسب بكثافة على ضفتي النيل، مُكوِّناً جُزُراً من الفن الجميل، وتجارة ازدهرت على أيدي البسطاء لتزيِّن بيوت السودانيين بأطيافهم كافة. لا يقتصر استخدام الفخار في السودان على تزيين وديكور المنازل فقط، إنّما هو أسلوب حياة، فما زال «الزير» وعاءً مصنوعاً من الفخار لحفظ الماء وتبريده، يحتل جزءاً كبيرا من حياة السودانيين، خاصة البسطاء منهم.. لا يخلو مسجد أو مدرسة في السودان من «الزير» الذي يمتاز بتبريد الماء من خلال الهواء الملتصق بجداره؛ مما يؤدي إلى برودة الماء بدرجة مُناسبة للشرب.
(3)
يقول فضل الله الطاهر، تاجر ومالك محل تصنيع فخار، إن «(الزير) يُشكِّل العمود الفقري في صناعة الفخار في السودان، وخصوصاً لاعتقاد السودانيين أنّ ماء (الزير مُفلترٌ) من الشوائب بشكل طبيعي»، ويضيف فضل الله أن «حجم (الزير) يتناسب مع غرض الاستخدام، فعلى سبيل المثال إذا كان سيستخدم في سقي أبناء السبيل يفضّل استخدام (الزير) الكامل (27 بوصة) أو (الزير) النص (24 بوصة)، أما في المنازل تفضّل السيدات (الزير) الربع (15 بوصة) ».
(4)
ويوضح فضل الله أن «المزهريات» (أوعية الزهور والشجيرات الصغيرة) تحتل المرتبة الثانية في سوق الفخار، قائلاً: «الأصيص المصنوع من الفخار أشكال وأنواع، منها المُرتبط بالتراث، ومنها المُرتبط بالأشكال العصرية الحديثة المنسجمة مع حياة اليوم مثل الكاسات للزبائن المُغرمين بالموضة، يأتي البعض ويحاول إدخال تعديلات تناسب ذوقه».
من جهته، يرى عبد العظيم محمد (52) سنة، تاجر فخار بحي أبو روف بمدينة أم درمان، أنه رغم احتفاظ الفخار بمكانته في السودان، فإن «كثيراً من أدوات الفخار بدأ يقل الطلب عليها، وأخرى بدأت في الانقراض مثل (الدورماية)، وهي وعاءٌ لحفظ الطعام، و(الدولق) إناء يُوضع فيه ماء مخمر، و(الواردة) تُستخدم في جلب الماء من النيل».
(5)
وأيضاً هناك بعض الأوعية الفخارية التي تُصنع لحفظ النقود والمقتنيات الثمينة، والغريب في الأمر أن اقتناء الفخار كان يقتصر على الأغنياء لحفظ أشيائهم، ومع تطوُّر الحياة، بدأ البسطاء يعتمدون على الفخار، وخصوصاً في بعض القرى البسيطة. ويؤكد عبد العظيم محمد أن «بعض أدوات الفخار حافظت على الهوية التراثية السودانية مثل المباخر التي لم تتأثر مهما كانت المتغيرات قوية، مثل (المبخر) التقليدي الذي يحتل مكانة مميزة في قلب سيدة المنزل».
(6)
يسترسل عبد العظيم محمد قائلاً: «إن النساء في السودان لم يتمكّن بالموروث من الفخار شكلياً، إنما ربطنّ الماضي بالحاضر من خلال استحداث ما يُسمى (بالدخانة)؛ وهي عبارة عن وعاء يُوضع فيه القليل من الجمر مع خشب الطلح، أيضاً تهتم النساء بتفاصيل الزفاف ويقمن بوضع الأخشاب العطرية والعطور التقليدية فيما يُعرف (بالحق)؛ وهو وعاء فخاري ملون ما زال يحتفظ بشكله التراثي ويستخدم أيضاً في تزيين صينية الحِناء للعروسين».