الخصخصة.. خسائر طائلة
الخرطوم: جمعة عبد الله
خلال السنوات التي أعقبت تبني الحكومة سياسة التحرير الاقتصادي في العام 1994، ظل السودان يفقد
سنوياً مؤسسات اقتصادية مهمة سواء بالخصخصة أو التصفية، وهي المهمة التي عهدت إلى اللجنة الفنية للتصرف في مرافق القطاع العام، والآن بعد أكثر من 25 عاماً على تطبيق هذه السياسة، بدت النتائج أكثر كارثية بافتقار السودان لعدد من المؤسسات الحيوية، كما تضاءلت مساهمة المؤسسات الباقية في الناتج القومي وبعضها مؤسسات خاسرة بفعل سوء الإدارة وعقم الخطط ..
وتشير الوقائع لفقدان السودان 284 مؤسسة منتجة تمت خصخصتها من اللجنة الفنية للتصرف في مرافق القطاع العام، مع خسائر طائلة يحتاج حصرها لتحقيقات دقيقة، فيما تتجاوز خسارة البلاد السنوية من تصفية الخطوط البحرية مليار و300 مليون دولار سنوياً تكاليف نقل بضائع، بحسب ما يقول مختصون.
وتشمل المؤسسات المفقودة قطاعات اقتصادية مهمة وذات ثقل منها المشاريع الزراعية الكبرى مثل المناقل والرهد وكنانة، وعدد من المصانع الكبرى التي تنتج سلعاً إستراتيجية مثل السكر، وقطاع المصارف “بنك الخرطوم” على سبيل المثال، والأسواق الحرة، والسكة حديد، والنقل الجوي والبحري، علاوة على قطاع الاتصالات الذي شهد بيع حصة الحكومة في “موبيتل” لمحموعة عارف الكويتية بثمن بخس، فحولتها الأخيرة إلي “زين السودان” وأصبحت تجني من تشغيلها ملايين الدولارات سنوياً، وأصبحت هذه المؤسسات ذات المداخيل المليارية تتبع لجهات أجنبية يتم منها تحويل العائدات للخارج بدلاً عن إدخالها في خزينة الدولة أصبحت أموالاً تتدفق خارج البلاد وهي عائدات مليارية.
ويؤكد مراقبون أن تطبيق الخصخصة وتصفية المؤسسات المنتجة لم يسبقه أو يليه تقديم دراسة علمية تبين جدوى وفوائد الخطوة، ولم تؤد النتائج الكارثية التي ترتبت على تصفية المؤسسات المنتجة لإعادة النظر في الخطوة، ولفت القائمين على الأمر لتصحيح الوضع، حيث دمرت بعض القطاعات المهمة، وساهمت في إضعاف اقتصاد الدولة، هذا غير المشكلات الاجتماعية بعد إحالة آلاف العاملين إلى التقاعد المبكر.
وتنادي سياسات وموجهات البنك الدولي للحكومات بأهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وفي سنوات ماضية تبنى البنك وشجع الحكومة لإقامة هذه الشراكات وأبدى استعداده فعلياً لتقديم التمويل لإحياء المشاريع الكبيرة بالسودان بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو الأمر الذي لم يجد حماساً يذكر من المسؤولين في حكومة الإنقاذ، وتم إجهاض المشروع لتعارضه مع مصالح السماسرة التابعين للنظام البائد.
ويزخر الاقتصاد السوداني بطاقات هائلة، يعجز القطاع الخاص المحلي عن تحريكها مما يجعل تدخل الدولة حتمياً ولا غنى عنه.
ووصف الخبير الاقتصادي، دكتور عبد الله الرمادي، تصفية المؤسسات المنتجة، تحت شعار الخصخصة بأنها “من أكبر الجرائم التي تمت في حق الشعب السوداني”، مشيراً لتجاهل القائمين على الأمر لاعتراضهم على التصفية في حينه، موضحاً أن الخروج من العمليات الإنتاجية خطا كبير، وقال إن الدولة لا تخرج لأن القطاع الخاص في كل دول العالم الثالث ليست لديه القدرة على تبني وإقامة المشروعات الضخمة كالناقل الوطني سودانير مثلاً، عندما بيعت لم يستطع إدارتها، وعندما أتيحت له الفرصة لم يستطع لأن الشركات المحلية ضعيفة جداً.
وكشف الرمادي في حديث لـ “الصيحة”، عن تصفية 284 مؤسسة منتجة، وحل مؤسسة التنمية السودانية بقرار خاطئ، التي كانت أكبر المؤسسات الاستشارية في السودان للمشروعات الزراعية والصناعية الإنتاجية، مشيرًا إلى أن تصفية الخطوط البحرية السودانية يفقد السودان سنوياً مليار و300 مليون دولار تكاليف نقل بضائع، كان يوفرها هذا الناقل الوطني، حيث كانت الخطوط البحرية من أعمدة الاقتصاد السوداني، وكانت تملك اسطولا بحرياً من 13 – 15 باخرة تم بيعها كخردة، وبعض الجهات التي اشترتها قامت بتشغيلها مجدداً وما تزال تعمل.
يواصل الرمادي حديثه قائلاً: السبب الأول في فقد هذه المؤسسات المنتجة هو الفساد واللهث خلف المصلحة الشخصية والسمسرة في بيع أصول هذه المؤسسات والوحدات الإنتاجية، وقال “لم يكن هناك مبرر لبيعها”، وزاد: وصل الأمر لبيع عدد من أصول مشروع الجزيرة والسكة حديد كخردة، وتساءل: لماذا هذه الإهدار، وهذه التصفية، وقال إنها جريمة ينبغي المحاسبة عليها بدقة، ودعا لتدخل الدولة وإعادة مؤسسة التنمية السودانية لسابق عهدها، وأن ترفدها بالكوادر الكافية حتى تستطيع أن تقدم المشروعات الملائمة حسب الخطط المدروسة وبطريقة علمية ومنهجية وأن تدخل في شراكات مثمرة مع القطاع الخاص حتى تصبح منتجة ثم بعد ذلك يمكنها بيع ما تشاء للقطاع الخاص.
وناشد الرمادي القائمين على الأمر بفتح ملف للتحقيق في كل الوحدات التي بيعت وهل اتبعت فيها الإجراءات القانونية للبيع، وهل طرحت في مناقصات ومعرفة هل تم التخلص منها حسب القوانين والأصول وأن تكون هناك محاسبة دقيقة، وأن يعاقب المتسببون فيها من أول رئيس لهذه اللجنة، وقال إن هذه الجريمة ينبغي ألا تمر وأن يعاد ما يمكن إعادته، وأن تتحرك الدولة لتبني المشروعات التي ستتم الشراكة فيها مع القطاع الخاص.