26يناير2022م
الإعلام كما تم توصيفه من قبل الخبراء، هو أن تُعلِّم أو أن تُخبر أحداً ما عن أمرٍ ما، فضلاً عن أنه جهةٌ ما تأخذ على عاتقها مسؤولية إيصال الأحداث الجارية لجمهورٍ من الناس مقابل عائدٍ ماديّ أو بدون، وهي العلاقة التي تتكوّن من أربعة أطراف، وتتمثل في، الإعلامي الذي يُمَلِّك المعلومات ويتوجّه بها إلى من يريدها، بجانب الجمهور المتلقي الذي يهمه الحصول على المعلومات على اختلاف أهدافه من هذه المعرفة، وكذلك المعلومة أو الرسالة الإعلامية، والتي هي مجموعةٌ من الأخبار التي تتناول الأحداث، بجانب الوسيلة التي يتمّ نقل المعلومات من خلالها، وتتنوع فقد تكون إلكترونيةً أو مرئيةً وغيرها.
وتتعدّد أهداف الإعلام بالنسبة للجميع في الحاجة للحصول على معلومات، ومعرفة الأخبار والأحداث المختلفة، والتسلية والاستمتاع والغرض الترفيهي، والدعاية والإعلان والتسويق، والإثارة، والتعليم والتوعية والإرشاد، ولا شك أن للإعلام وسائلُ أو طرقاً يقوم من خلالها بنقل معلوماته المختلفة والمتنوّعة، وهي المقروءة، ونعني بها الجرائد والصحف والمجلات والمسموعة والمرئية، بالإضافة إلى الإنترنت والذي أسهم بشكل لافت في التطوّر التقني والتكنولوجي كافة وخاصة في مجال الإعلام، خاصة فيما يتعلق بتسريع وصول المعلومات وجودتها وآلاتها وتقنياتها وغيرها.
وبما أن للإعلام أنواعاً تختلف حسب الغرض منها، فهناك الإعلام الرقمي الذي يعتمد على الفيديوهات والصور، والإعلام الإلكتروني الذي يقوم على المواقع الإلكترونية، والاتّصال الجماهيري الذي يتوجه لجماعةٍ كبيرةٍ من الناس، وهو ما نعني به الإعلام الثوري، وهناك أيضاً الإعلام العسكري أو الحربي الذي يركز على نقل الأخبار العسكرية، والإعلام الاجتماعي الذي يركز على نقل قضايا الناس.
كما وتتنوّع وسائل الإعلام من حيث طريقتها وأسلوبها في تقديم المعلومات والأخبار، فهناك جهاتٌ تنقل أخبارها بهدف غرضٍ ما، وهذا الغرض يكون محكوماً بأجندتها أي فكرها بالإضافة إلى تمويلها، وبالتالي لا يكون الخبر موضوعياً، بل شائباً ومُتلوِّناً وخاضعاً للجهة الصادر عنها وحسب مصلحتها، وهناك الوسائل الإعلامية المستقلة التي تتميّز بالموضوعية والحياد، وهما صفتان يقل وجودهما في مجال الإعلام، فأغلب جهات الإعلام الحالية تابعةٌ لجهةٍ إما سياسيةٍ أو اجتماعيةٍ نافذةٍ، وبالتالي تعبر عن آرائها، ويتمثل الأثر السلبي للإعلام في نقل المعلومات المنحازة أو المغلوطة أو غير الدقيقة التي تؤثر على وعي الجمهور المتلقي، وبالتالي تشكيل وجهة نظرٍ خاطئةٍ تجاه قضيةٍ ما.
وكما أسلفنا، فإن فنون الإعلام طبقاً للمرحلة التي تمر بها الدولة السودانية الآن، من تقلبات ثورية كبيرة، عقب ثورة ديسمبر التي أحدثت ذلك التغيير الكبير في شكل الحكم في السودان، ذاك الأمر حتَّم ضرورة الإشارة إلى بعض أبجديات الإعلام الثوري الذي صاحب تلك الثورة الباذخة، خصوصاً في ظل التعامل العنيف من سلطات الحكم البائد المنقلبة على إرادة الشعوب، لا سيَّما وأن الإعلام شكَّل رأس الحربة في هذه الثورة، ومن ثم اعتُبِر وسيلة ناجعة للوصول إلى الثورة، وليس الثورة في حد ذاته، وهذه هي أولى إشكالات الإعلام الثوري المتمثلة في ظن البعض أن الإعلام يمكن أن يسقط نظاماً جاء بالدبابة، ويُدعَم بشكل كامل من المجتمع الدولي الذي يغض الطرف عن جرائمه، طالما أنه يدور في فلك الأجندة الدولية، ويخضع لإملاءات الدول الكبرى.
والإعلام هنا يُعَدُّ عنصراً محفزاً للثورة، والتي هي (الثورة)، في مجملها رهان على الحياة لا يجرؤ أن يفكر فيه إلا القليل من البشر، لذا فإن المبدأ الأول لأبجديات الإعلام الثوري، أن يكون عنصراً محفزاً ودافعاً للثورة، لكنه في حد ذاته ليس ثورة، مما يُحتِّم عليه نشر الفكر الثوري بين أكبر عدد ممكن من الجماهير، لجهة تغيير قناعات المخالف في الرأي، ليس الذي يخاطب الأتباع والمشتركين في الرأي مع إهمال المعارضين، وبالتالي فإن الإعلام الثوري الحقيقي، هو الذي يضيف كل يوم أنصاراً جُددا إلى أفكار الثورة والثوريين، شريطة أن يكون إعلاما صادقا وليس مضللا، فلا يبني آمالاً عريضة للجماهير ويربط النصر بوقت أو حدث، فإذا ما تعلقت نفوس الجماهير وقدمت التضحيات الغالية صُدِمت بالواقع المرير الذي من الممكن أن ينشر روح اليأس، ويُفقِد الثورة كثيراً من زخمها ويُصعِّب عليها اتخاذ قرارات أو الدخول في تجارب خاسرة، وأن لا يكتفي بالتوصيف، بل ينقل الجماهير من مرحلة إلى مرحلة، ولا يكتفي بنقل فعل الجماهير والثوار، بل يعمل بِجِد على نقل التجارب، ويُطوِّرها من مرحلة إلى مرحلة سواء من وضوح الرؤية أو إجلاء المفاهيم، حتى يساعدها في الوصول إلى النجاح عبر أقصر وأسلم الطرق الثورية.
وزيادة على ثباته، فإن هذا الشكل من الطرح الإعلامي الفاعل، من شأنه بلا شك التأكيد على وعي الإعلام الثوري، وأنه يختار معاركه بعناية، ولا ينجر خلف الإعلام المُضاد له، وذلك من خلال رؤية واضحة وعبر مراحل متدرجة، وعبرها يعرف متى أتم مرحلته ومتى ينتقل إلى المرحلة التالية، وأن يكون بالفعل إعلاما ثوريا حقيقيا يمتلك أدواته، والتي من المُفترض أن تكون أكثر من أن يحصرها أو يحاصرها أحدُ، لاسيَّما وأن أسرع موت للإعلام الثوري يكمن في احتقار ملكيته أو تبعيته، مما يربط حركته بحسابات ورهانات من يملكه، فهلَّا تحرَّك إعلامنا بكل مسمياته المعروفة للعمل الجاد في هذا الخصوص، وصولاً إلى دولة سودانية راسخة ومتماسكة يسودها الرخاء والأمن والسلام المُستدام.؟