26يناير2022م
أنا ضِدُّ أسلاف الرَّماد فرُبَّما وصَلوا بغَفلتِهم لحِكمَة غَفلة.. يَمضي الرَّمادُ إلى الرَّمادِ ودائماً قمرٌ يُضيءُ ونَحن بِضعُ أَهِلَّة.. الشاعر أحمد بخيت..!
(1)
العالم كله يتجه اليوم نحو شعبنة المناهج السياسية، وأنسنة الانتماءات العرقية، وعقلنة العاطفة الطائفية وتأطير الحدة المذهبية. فالانتماء لجلال المفاهيم وشفافية المناهج لا عراقة الألقاب وقداسة الأشخاص أصبح مآلاً وواقعاً جديداً تمخّض عن أحوال وأهوال خاضتها معظم أحزاب الدنيا حتى تلك التي لا تزال تتعثّر أمام نتوءات وانبعاجات الخارطة السياسية بعد مقالب وانقلابات الربيع العربي. كثيرة هي الحكم السياسية المأخوذة من أفواه المُستبدين، وقديماً قال لينين “إن المثقفين هم أقرب الناس إلى الخيانة لأنهم أقدر الناس على تبريرها”. على ضوء هذه العبارة يمكن تحديد مزالق وعلل وإشكالات ومهالك الممارسة السياسية في السودان، والذين اتفقوا مع حكمة لينين من الرواد والمفكرين في بلادنا كثر “أحمد خير، محمد أحمد المحجوب، علي عبد الرحمن الأمين الضرير وغيرهم. وليس آخرهم منصور خالد، حيدر إبراهيم وحسن مكي..!
(2)
من آفات الممارسة السياسية داخل بيوت الأحزاب السودانية، غياب الرؤية الفكرية المُتماسكة لمفهوم المُمارسة الديمقراطيّة عند المُؤسِّسين والرُّوّاد ومن ثم الورثة غير المجددين، والتركيز المُخل على المواقف والأدوار على حساب المنهجية والأفكار، فَضْلاً عن عيوب النشأة واضطرابات التشكيل. الأحزاب السودانية على اختلاف مشاربها لم تجر أي مراجعات فكرية لتجاربها، وبالتالي لا تزال الديمقراطية ليست قضيتها الأولى ولا حتى المركزية، ومع مركزية القرار وانفراد الزعماء والقيادات بالتخطيط دون الأغلبية لا تزال هوية المؤسسين والرُّوّاد تؤثر على ديناميكية الحراك وطبيعة الموقف. والنتيجة عجز معظمها عن استقطاب الرموز المُستنيرة المؤمنة بالديمقراطية الحقة وتحولها إلى كيانات نخبوية وفشلها في أن تصبح مؤسسات وطنية تقترب بمواقفها من مواقف هذا الشعب وأولوياته الوطنية..!
(3)
عندما اشتعلت نار الفتن في بلاد الأفغان، وعزَّ اجتماع القوم على كلمة سواء قال الشيخ جمال الدين الأفغاني قولته التي ذهبت مثلاً “اتفقنا على ألا نتفق”. أضابير التاريخ الذي يعيد نفسه بتصرُّف لم تسجل اتفاق ورثة الجهاد الأفغاني العظيم – ضد الاحتلال السوفيتي – على ألا يتّفقون فحسب، بل وثقت لتناحرهم الذي أضاع البلاد والعباد..!
(4)
معظم الإسلامويين كانوا وسيظلون يتشاركون المسؤولية التاريخية مع المؤتمر الوطني، لأنهم باركوا يوماً مصائب سياسية كثيرة كان الشعب ــــ الذي يخاطبونه اليوم من خندق الثورة ــــ يتابعها بمزيج من السخرية وطيب الخاطر، لولا أن تلك الكوميديا السوداء قد تحولت إلى ميلودراما، اكتسب فيها صوت العنصرية والقبلية، والتمييز المهني المُتلفِّع بأثواب التمكين – وتضييق الخناق على ذات الحريات المتفق عليها اليوم – شرعية سياسية في وقت مضى. والآن ما الذي يتوقّعونه من هذا الشعب اليوم، أكثر من أي وقتٍ مَضَى..؟!
منى أبو زيد
munaabuzaid2@gmail.com