25يناير2022م
لا يوجد مبررٌ منطقي وعقلاني لهرولة الحكومة الانتقالية و«التطبيع» مع إسرائيل التي ظلّت تناصب السودان العداء (سراً وعلانيةً) منذ مشاركة السودان في الحرب عام 1948 و1967 بينها والعرب، بالرغم من تعدُّد وتغيُّر الحكومات السودانية منذ الاستقلال الى يومنا هذا بين حكومات يسارية وعسكرية ومدنية ويمينية، الا ان موقف اسرائيل ظل ثابتاً، وتصنف اسرائيل السودان كدولة خطرة على الكيان الصهيوني لما يتمتّع به من ثروات وموارد مهولة داخل الارض وخارجها، واراض شاسعة تؤهله ان يكون دولة عظمه كما ورد في كتاب (اسرائيل وحركة جيش تحرير السودان) للكاتب «موشي فارجي» الذي صدر 2002 وقد وردت فيه جملة من المصادر المهمة، ظلت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تدعم الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة العقيد جون قرنق بالسلاح والتدريب وتشجيع الحركات المسيحية الانفصالية، وتحالفت اسرائيل مع دول الجوار يوغندا وإثيوبيا وإريتريا حتى فصل الجنوب في العام 2011 وذهاب ثلثي الموارد النفطية الى الدولة الوليدة واعتبرت اسرائيل ذلك انجازاً تاريخياً لجهاز “الموساد” ودعمت كذلك حركات الكفاح المسلح بإقليم دارفور، وهدف اسرائيل هو زعزعة الأوضاع في السودان حتى تنشغل الحكومة بحدودها ومشاكلها الداخلية وانتزاع المبادرة منه.
بالرغم من العداء الظاهر، الا انه هناك علاقات سرية بين البلدين كما اكدت ذلك تصريحات لمسؤولين اسرائيليين وسودانيين وتقارير نُشرت في مواقع إخبارية ذات مصداقية، في العام 2016 طرح وزير الخارجية الاسبق الدكتور ابراهيم غندور وفي خطوة وُصفت بالجريئة، تطبيع العلاقات مع اسرائيل بشرط رفع الحكومة الأمريكية العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ مطلع التسعينات ، وفي العام نفسه تم الكشف عن طلب إسرائيلي للدول الغربية وأمريكا لتطوير العلاقة مع السودان ورفع العقوبات عنه بعد قطع حكومة الانقاذ علاقتها مع ايران عدو الكيان الصهيوني الاول.
مؤخراً وعقب سقوط نظام الانقاذ، مُورست ضغوط امريكية على حكومة الفترة الانتقالية وحثها على التطبيع مع اسرائيل لتلحق بالدول العربية الأربع البحرين والمغرب ومصر والإمارات، إذن ما الجديد في العلاقات الاسرائيلية السودانية بعد كل هذا العداء التاريخي الذي اقعد السودان من ركب التقدم والتطور وإضعاف قدراته؟ وهل انتفت اسباب العداء وغيّرت اسرائيل نظرتها للسودان كدولة عدو او تشكل خطورة كما أن هل من مصلحة اسرائيل ان يكون السودان مستقراً وقوياً إقليمياً؟.
أعتقد جازماً، حرص اسرائيل على التطبيع مع السودان هو «تكتيكٌ» مرحلي ومحاولة لإيجاد موطئ قدم والتوغل داخل المؤسسات عبر عملاء، تمهيداً لنهب وسرقة خيرات السودان وتنفيذ المخطط المرسوم والداعي لتقسيم السودان الى دويلات ضعيفة ومتشاكسة!!
ومنذ لقاء الفريق اول البرهان رئيس مجلس السيادة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في فبراير من العام 2020 بيوغندا، ثم زيارة الوفد الإسرائيلي في ذات العام ومصادقة مجلسي السيادة والوزراء على إلغاء مشروع قانون مقاطعة إسرائيل، منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا لا جديد يُذكر بالرغم من رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات الاقتصادية، فقد شهد السودان تدهوراً اقتصادياً وأمنياً غير مسبوق، وقد خلت ميزانية العام 2022 من أي دعم خارجي بأي شكل من الأشكال، مما يؤكد أن لا فائدة مرجوّة من التطبيع مع اسرائيل أو اعادة العلاقات الدبلوماسية مع الغرب، لأن الغرب لا يدعمنا ولا يُريد لنا خيراً بقدر ما انه يريد أن يحافظ على أمنه الاستراتيجي ومصالحه في المنطقة.
لا أريد ان اكون متشائماً اكثر من اللازم، ولكن خطوة التطبيع مع اسرائيل لن تفيد السودان كثيراً لا اقتصادياً ولا أمنياً ولا سياسيًا، وسوف تبعد السودان من تعهداته السابقة في دعم القضية العربية والإسلامية قضية فلسطين المُحتلة.
وقد سخرت الفنانه الاسرائيلية “نوعم شوستر” من تطبيع اسرائيل مع الدول العربية بأغنية بُثت على التلفزيون الحكومي الإسرائيلي «مكان» الناطق باللغة العربية الموجه للشعوب العربية، وقد وصف الكثيرون سماح الحكومة لإذاعة الأغنية وانتشارها في الوسائط الإعلامية بأنه حرية تعبير ووصفها البعض بأنها تسخر من العرب نسبة لتخليهم عن قضاياهم ومطلع الأغنية يقول:
دبي دبي دبي
لو كل العرب زى دبي
في آخر النفق فيه ضي
لو كل العرب زي دبي
بحبو شعب اسرائيل حي
ما راح يرمونا بالمي
ما فيش أحلى من العرب معهم ملايين
ونسيوا شعب انتكب نسيوا فلسطين
سأحبسكم بالمحسوميم (الحواجز)
واخذ سيلفي بالميدالميم (الابراج)
قالوا تبقى اسرائيل من المي للمي
دبي دبي دبي
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،،