24يناير2022م
إذا ما نظرت الى الاقتصاد الكلي السوداني، من الصعب إطلاق وصف اقتصادي محدد عليه، هل هو اقتصاد إسلامي أم اقتصاد سوق أم مختلط أم اقتصاد اشتراكي؟ حكومة الفترة الانتقالية تسير بنفس سياسة الإنقاذ الاقتصادية السابقة والتي أثبتت فشلها والتي ترتكز على برنامج الخصخصة وتحرير الأسعار ورفع الدعم بشكل كلي، هذه المُعالجات زادت حدة الفقر ونسبته، وقد تضرر بشكل مباشر العاملون في القطاع العام واصحاب الدخل المحدود، واوجدت وضعية مختلة مما حدا بضعاف النفوس على تهريب السلع والمنتجات الزراعية والحيوانية كأهم مورد للميزانية العامة للحكومة، للأسف الشديد تهريب هذه الموارد يتم بشكل منظم وعبر منافذ حدودية وعبر الحدود مع دول الجوار، مما حدا بأن تكون دولة الإمارات المتحدة في المرتبة الثانية عالمياً في تصدير وإنتاج الصمغ العربي المنتج في السودان، وإمارة الشارقة اكبر سوق للصمغ العربي وهي غير منتجه ولا بنسبة 1%، الاقتصاد المصري كذلك ينمو بشكل متصاعد نتيجةً لتصدير لحوم وجلود الأبقار، إضافةً الى السمسم التي تصدّر منتجاته من حلاوة «طحينة» وغيرها، كذلك القنقليز «التبلدي» وكثير من المنتجات، علمًا بأن مصر ليست لديها ثروة حيوانية ولا منتجات زراعية ومع ذلك تتصدّر قوائم الدول المنتجة والمُصدِّرة لها الى دول الخليج، هذه المنتجات تُصدّر وتُهرِّب خاماً من السودان.
من المفارقات العجيبة، إن السودان الدولة الاولى في العالم من حيث انتاج الذهب بـ350 طناً سنوياً تقريباً، لكن هذا الانتاج الوفير لا تستفيد منه خزانة الحكومة الا بقدر ضئيل، دولة الصين تُصدِّر لدول العالم وامريكا الفول السوداني زبدة «الدكوة» وهي لا تزرعه.
لم أتخيّل أبداً ان قطر السودان المنتج لقائمة طويلة من المنتجات الزراعية والحيوانية والتي لا تتوفر في كثير من الدول، تكون لديه مشكلة في العملة الأجنبية ووارداته أكثر بكثير من صادراته ودولة فقيرة ويائسة وبائسة وطاردة، المطلوب اكثر من اي وقت مضى من وزارة المالية وكافة المؤسسات المعنية بالتخطيط والجباية والاستيراد والتصدير والاستثمار، العمل على وضع خارطة طريق وبرنامج واضح لزيادة الصادرات وتقليل الواردات غير المهمة، وعلى المؤسسات الأمنية المنوط بها حماية وحراسة الحدود تحمُّل مسؤولياتهم والاجتهاد في إيقاف عملية التهريب عبر الحدود.
أعتقد من المعروف أن المجتمع السوداني يُوصف بأنه مجتمعٌ «كسولٌ» يتمتّع بقدر كبير من الموارد الاقتصادية، ورغم كثرتها وتنوعها فإنه غير قادر على استغلالها حتى تزيد من الناتج الإجمالي القومي، فإنها ليست حكراً على جيل اليوم، هي مِلْكٌ للأجيال القادمة، لذلك يجب استخدامها، الاستخدام الأمثل بحيث نضمن حمايتها وزيادتها، فمثلاً يجب سَن قوانين رادعة تمنع التنقيب الأهلي عن الذهب والمعادن، وكذلك عدم تصدير إناث الإبل والضأن والغنم أو عدم صيد الأسماك الصغيرة، كل ذلك حتى نُحافظ على مواردنا من الضياع والتبديد وتلاعُب ضِعَاف النفوس.
والله من وراء القصد وهو يهدي،،،