د. أحمد سمي جدو محمد النور يكتب : تطورات الأوضاع في تشاد وانعكاساتها على السودان (2_2)
23يناير2022م
وفي اعتقادي، إن اغتيال الرئيس التشادي إدريس ديبي، قد تم بواسطة مؤامرة تم التخطيط والترتيب لها بواسطة جنرالات نافذين في الجيش التشادي مما يوحي بأن انقلاباً عسكرياً قد تم ، ولتمويه الرأي العام العالمي والإقليمي والمحلي بإنشاء حكومة انتقالية برئاسة ابنه محمد إدريس لإرضاء بعض العناصر في الجيش التشادي المقربة من الرئيس الراحل المغدور . ريثما يتم تلافي الأمر بشكل أفضل . وفي نفس الوقت إرباك للحركات التشادية المسلحة التي ليست على اتفاق فيما بينها وفي كيفية إزالة نظام الرئيس إدريس ديبي، الأمر الذي يتطلب خلق نوع من توحيد الإرادة السياسية لدى الحركات المعارضة التشادية على كيفية إدارة الشأن السياسي في تشاد لتفويت الفرصة على أصحاب الأجندة الخارجية الذين قد يُعرِّضون أمن تشاد الى الخطر ؛ خاصة وان تشاد دولة مفتاحية الى غرب أفريقيا، ونافذة للتأثير على مجمل الأوضاع في الدول المجاورة لها كالسودان وليبيا وأفريقيا الوسطى والكاميرون والنيجر.
وتجدر الإشارة الى أن الحركات المسلحة التشادية التي ظلت تناوئ نظام الرئيس ديبي، تتكوّن من إثنيات مختلفة ليست بينها روابط دم وأواصر قربى مؤثرة فيما بينها بحيث نجد الدكتور محمد المهدي الذي يقود جبهة الوفاق من أجل التغيير من إثنية الكريدة (قرعان) يعاونه الجنرال محمد نوري المعارض التشادي المعروف بمعاداته السافرة لنظام الرئيس إدريس ديبي منذ العام ١٩٩٨م . والذي ينتمي الى قبيلة الأنكازة التي ينتمي إليها الرئيس التشادي السابق حسين هبري الذي أزاحه عن السلطة في تشاد إدريس ديبي اتنو في ديسمبر ١٩٩٠م بدعم ومساندة من حكومة الإنقاذ بالخرطوم. وكعادة حركات التمرد التشادية التي تنوي تغيير الوضع في تشاد أن تنطلق من عُمق الأراضي السودانية، فالسودان مرشحٌ وبشكل مباشر لأحداث ومعارك شرسة قد تدور رحاها على حدوده الغربية المتاخمة لدولة تشاد بحيث يدفع السودان فاتورة الانفلات الأمني في دارفور وعلى الحدود بين السودان وتشاد، وفاتورة إيواء اللاجئين التشاديين الذين سوف يتدفقون باتجاه إقليم دارفور المتاخم لتشاد.
إن ما يدعم ما ذهبت إليه من توقعات وقراءات هو تعدد الفصائل التشادية المتمردة على الوضع السياسي في تشاد مثل الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد ، والتي قوامها من إثنية التوبو سكان جبال تبستي ، وهناك القوات الثورية من أجل الصحراء والتي أيضاً تتكون من إثنية التبو ذات الصلة بدولة النيجر ، مضافاً إليها المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية التشادية والذي يقوده أبكر شريف عيسى ، بالإضافة إلى حركة تجمع القوى من أجل الحرية والعدالة التي يقودها تيمان أردمي من اثنية الزغاوة.
وبالرغم من اختلاف أجندة وأهداف هذه الفصائل مجتمعة، إلا أنها تتفق جميعها في رفض التجديد للرئيس ديبي لولاية سادسة والتي تمت بالفعل بإجراء الانتخابات في أبريل ٢٠٢١م والتي أظهرت نتائجها الفوز الكاسح للرئيس إدريس ديبي بالرغم من معارضتهم لها. الأمر الذي أعطى الصراع في تشاد طابعاً إثنياً وقبلياً صارخاً سوف تكون نتائجه صادمة في مقبل الأيام، ما لم تبادر حكومة السودان الانتقالية بشقيها العسكري والمدني لاحتواء الصراع التشادي التشادي في أضيق نطاق ممكن أو التقليل من آثاره، بحيث تطلب من الأطراف الرجوع الى صوت العقل وضبط النفس وضرورة الجلوس على مائدة التفاوض الذي من شأنه التوصل الى حكومة وطنية متفق حولها ، تمثل فيها المعارضة التشادية بشكل يدفع بالدولة التشادية الى أن تنعم بالاستقرار السياسي والتفرغ للبناء والتعمير ، والذي حتماً سوف يجني ثماره السودان سلاماً وأمناً وتنمية على حدوده الغربية المتاخمة للشقيقة تشاد.
مع التحفظ على أنّ الأحداث الجارية في الدولة التشادية سوف تسهم في خلق بعض المشاكل والأزمات التي سوف يُعاني منها السودان والمتمثلة في طول الحدود المشتركة بين البلدين، والتي يبلغ طولها ١٣٠٠ كيلو متر مربع، في شكل انفراط أمني غير مسبوق، على طول هذه الحدود، مما ينعكس سلباً على التداخل السكاني المنتشر على طول تلك الحدود، مثل مشكلة الخارجين عن القانون والسهولة التي يجدونها في الهروب والاختفاء عن أعين الرقابة الإدارية من الجانبين السوداني والتشادي، والسبب في ذلك هو سهولة عبور هذه الحدود لعدم وجود العوائق والموانع الطبيعية من أودية وجبال وغابات، بالإضافة إلى مساندة بعض العناصر والجماعات القبلية لأفرادها من المجرمين، بل والعمل على تضليل السلطات على الجانبين التشادي والسودان ، مما يقلل من فرص العثور على الجناة ومحاكمتهم. خاصة وأن مساحة السودان يتضمّنها شكل غير منتظم الى حد كبير وغير متناسق مع كل الأشكال التي تضمنت مساحات الدول المُجاورة له، وبخاصّة الجارة تشاد، لأنّ الحد السياسي بينهما في أغلب حالاته يمر في الاتجاهات التي تمزق الكيان البشري، بحيث تدخل بعضا من قبيلة أو جماعة أو اثنية محددة في إطار تشاد. وتبقى على البعض الآخر وراء الحد السياسي داخل السودان ، بحيث أصبح السودان يمثل موقعاً مهماً لالتقاء وانتهاء تحرك الهجرات والموجات البشرية من خارج حدوده السياسية الغربية، وتحديداً من الشقيقة تشاد من خلال التداخل السكاني الكبير المنتشر على طول الحدود المشتركة بينهما.
وتُجدر الإشارة هنا الى أن مناطق التداخل الآهلة بالسكان على طول تلك الحدود قد تمثل مجالات امتداد جغرافي من شأنها إضعاف الروابط الاجتماعيّة والحضاريّة والثقافية عند ظهور صورة من صور الصِّراع على الحدود بشكلٍ يُؤثِّر على الأمن والاستقرار في كلا البلدين، وخاصّةً إقليم دارفور، وربما أدّت الى قيام بعض المشكلات السياسية بين السودان وتشاد في المستقبل إذا لم تتم إدارتها وتوظيفها لخدمة المصالح المشتركة وتحقيق الجوار الآمن.
وتفادياً لأي مهددات أو أخطار أمنية محتملة ، نرى ضرورة العمل وبأعجل ما يكون على طي الخلاف التشادي التشادي أولاً ، ومن ثم العمل على إعادة ترسيم الحدود بين البلدين من وقت لآخر، وتنشيط الدوريات والرقابة الإدارية وبشكل صارم ، ويمكن أن تضطلع بهذا الدور في مقبل الأيام أو في الوقت الراهن القوات المشتركة السودانية التشادية، حتى لا تصبح مشاكل الحدود بين البلدين عرضة لمؤثرات محلية وإقليمية ودولية يُمكن استخدامها لبلوغ أهداف سياسية أو استراتيجية من شأنها الإضرار بمصالح البلدين السودان وتشاد.
وليكون السودان في مأمن مما يجري في تشاد من تطورات سياسية معقدة ومتلاحقة من جراء الصدام المسلح التشادي التشادي، لا بُدّ من إجراء دراسات علمية نوعية رصينة حول التداخل العرقي واللغوي والثقافي الحادث على طول الحدود بين البلدين لتتضح انعكاساته على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في السودان ؛ وعلى خطط وبرامج التنمية في كلا البلدين، ومن ثم محاصرة الأسباب الآنية وتقليل قوة تأثيرها ما أمكن على العلاقة بين البلدين، تَوطئةً لإيجاد حلول مستندة الى نتائج بحث علمي رصين تجني ثمار غرسه دولتا السودان وتشاد.
د. أحمد سمي جدو محمد النور
كلية الإمام الهادي
الملازمين