الخرطوم: فاطمة علي
تحقيق عملية السلام، كانت على رأس أولويات ومطالب الثورة على المُستويين الشعبي والسياسي خلال العامين الماضيين، لا سيما وأن السودان ظلّ يعيش حالة احتراب متراكم منذ الاستقلال.
ونجد ان عملية الانتقال التي حدثت في السودان بذهاب حقبة نظام الرئيس المعزول عمر البشير، قد وضعت البلاد في مسار ديمقراطي جديد بعد تضحيات جسام وحصيلة مقاومة مُستمرّة في مناطق النزاعات، حيث تُوِّجت الثورة الشعبية العظيمة التي انطلقت في ديسمبر ٢٠١٨م باقتلاع نظام استبدادي جثم ٣٠ عاماً على صدر السودانيين، وبدأت الثورة بشكل تراكمي من أطراف وحركات حملت السلاح في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، جميعها خرجت ضد النظام السابق في محاولة لتغيير النظام، واستمر نضالها لسنوات عديدة فقدت خلالها الآلاف، رافعةً شعارات “التهميش والتقسيم العادل للموارد”.
مخاضٌ عسيرٌ
وبعد أن استلمت السلطة الجديدة الحكم، كان اهم هدف سعت إليه وينسجم مع شعارات الثورة “حرية.. سلام وعدالة” هو تحقيق السلام في تلك المناطق، فكان ان احتضت عاصمة دولة الجنوب ما سمي بسلام السودان، وبعد مخاض عسير ومفاوضات مضنية بين الحكومة و50 حركة مسلحة وعبر وساطة دولة جنوب السودان، تم توقيع اتفاق السلام ، حيث وقعت الحكومة السودانية في مطلع اكتوبر اتفاق سلام مع عدة جماعات سودانية مُتمرِّدة، بهدف إنهاء سنوات من الصراعات المسلحة في إقليم دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
وجرت مراسم التوقيع في جوبا، عاصمة جنوب السودان، بشكل نهائي على اتفاق مبدئي تم التوصل إليه في “أغسطس – آنذاك”، بعد أشهر من المحادثات مع ثلاث مجموعات متمردة رئيسية من إقليم دارفور.
ووقّع على الاتفاق من جانب المعارضة المسلحة الجبهة الثورية السودانية، التي تضم خمس حركات مسلحة وأربع حركات سياسية، في حين لم ينضم فصيلان رئيسيان وهما جيش تحرير السودان والحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو إلى مفاوضات السلام.
وحضر مراسم التوقيع وزراء وقادة حكومات دول مجاورة، بالإضافة إلى مصر وقطر والسعودية، فضلاً عن رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت، الذي توسطت بلاده بين الفرقاء السودانيين.
وتضمن الاتفاق ستة بروتوكولات، من بينها تقاسم السلطة، والترتيبات الأمنية وتقاسم الثروة.
ونجد ان أهم نصوص الاتفاق تمثلت في: –
• بدء فترة انتقالية في البلاد تستمر ثلاث سنوات بداية من لحظة التوقيع.
• ثلاثة مقاعد في مجلس السيادة، وخمس حقائب وزارية في مجلس الوزراء، لقادة الفصائل المسلحة.
• حكم ذاتي لجنوب كردفان والنيل الأزرق.
• وفي جانب الترتيبات الأمنية، قرّر الاتفاق دمج قوات فصائل الجبهة الثورية في القوات المسلحة مع تشكيل قوة مشتركة قوامها 20 ألف جندي لحفظ الأمن في إقليم دارفور.
وسيدفع صندوق جديد أيضاً سبعة مليارات ونصف المليار دولار، على مدى السنوات العشر القادمة، للمناطق الغربية والجنوبية الفقيرة من السودان.
وقال مني أركو مناوي، زعيم حركة تحرير السودان، وقتها ان التوقيع على هذه الاتفاقية هو يوم مهم للسودان وجنوب السودان. إنه يعني إنهاء معاناة الكثير من السودانيين، في مختلف أنحاء السودان وخارج السودان. وأضاف: “من الواضح أن التحدي الاقتصادي في السودان هو أحد التحديات. كما أن الوضع السياسي الهش يمثل أحد التحديات، لكنني متأكد من أننا سنحقق السلام الذي نريده.. هناك حاجة للتسامح”.
وبعد مضي مرور عام وثلاثة أشهر، هل نجح اتفاق السلام في تحقيق أهدافه وهل انتهت الحرب، وهل صدق مني اركو مناوي حينما ذكر عقب توقيع الاتفاق انه يعني إنهاء معاناة الكثير من السودانيين.
الإرادة والثقة
يرى محللون سياسيون تحدثوا لـ(الصيحة) أن السلام لم يُوقف الحرب، واشاروا الى ان تطبيق السلام وتحقيقه على ارض الواقع يحتاج لأرضية صلبة، مشيرين إلى ان البلاد تعيش أزمات متداخلة وتجربة ديمقراطية جديدة وسط تشطٍ وانقسامات متداخلة سياسية واقتصادية واجتماعية، مما اعاق عمليات انجاح الاتفاق، واشاروا الى اسباب اخرى تمثلت في أن أطراف السلام فيما بينهم، يحتاجون لوحدة، فالجبهة الثورية تمثل تحالفاً هشاً على حد قولهم، إضافةً لافتقار من تولوا المناصب للخبرة السياسية التي تجعلهم قادرين على إنجاح الاتفاق.
تحدياتٌ
يرى القيادي بالجبهة الثورية كبير مفاوضي سلام جوبا إبراهيم موسى زريبة في حديثه لـ(الصيحة)، أن تحقيق السلام يواجه تحديات كبيرة على رأسها الأزمة السياسية الراهنة التي أدت الى فراغ في الحكم ذاته، إذ لا توجد حكومة الآن حتى تنجز المهمة الأولى للفترة الانتقالية وهي استكمال العملية السلمية مع الحركات غير الموقعة حتى الآن مثل الحركة الشعبية قطاع الشمال/ الحلو وحركة تحرير السودان/ عبد الواحد، ولفت بأن التحدي الثاني هو عدم تنفيذ ما تم توقيعه فعلًا في جوبا منذ الثالث من أكتوبر 2020 وحتى الآن والثالث هو انقسام كتلة السلام ذاتها الى كتلتين متنافستين وهذا يضر باتفاقية السلام والتنفيذ الذي يستدعي التوافق.
تدفق المنح والقروض
وأشار زريبة الى أن الأزمة السياسية ومآلاتها بحرمان السودان من التدفقات المالية مثل المنح والقروض والتعاون الدولي شكّل عقبات أمام التنفيذ مضيفاً: الشئ الأهم هو غياب الحكومة ذاتها (مجلس الوزراء) ومؤسسات الدولة التي تنفذ الاتفاق، لأن بنود الاتفاق تنفذها مؤسسات الدولة المختلفة، ولفت زريبة الى أن هنالك بنودا مختصة بتنفيذها وزارة العدل، وبنودا مختصة بتنفيذها وزارة الزراعة وبنودا مختصة بتنفيذها وزارة الدفاع وكلها بنود مؤجلة لعدم وجود حكومة.
تنفيذٌ غير ملموس
قال الطيب عبد الله منصور الخبير في شؤون السلام بالولايات المتحدة الأمريكية في حديثه لـ(الصيحة) تم الاتفاق بشكل واقعي مناسب، وأضاف أما المناداة به في تنفيذه غير ملموس، لكن كبداية خطوة ان يكون هناك سلام خاصة في المناطق التي شهدت تهميشا، النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، لا سيما وأن المواطنين خلال (30) عاما نادوا بسلام، ولكن على أرض الواقع لا يوجد سلام ملموس لتزامنه مع أوضاع الثوار والحرية والتغيير القائمة في البلد، وهذا ينصب في كيفية إدارة اتفاق بشكل واقع من خلال المشاركة لإنفاذ بنود الاتفاق مع الوضع الراهن، ونوه إلى أن قيادة الدولة هي سبب التأخير في تنفيذ الاتفاق، لجهة لا توجد إمكانات وليس لديهم ضوء أخضر للتدخل في العمل السياسي والمدني دون تنسيق، وأصبحنا ضحايا في برنامج العمل السياسي الراهن اذا كان مدنيا أو برامج استراتيجية في الدولة المنوط بها تنفيذ الاتفاق، يجب أن تكون لدينا آلية لتنفيذ الاتفاقية المشتركة بين كل الحركات الموقعة على السلام والخروج من مظلة عدم الرؤية.